بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة
والسلام على خير الخلق أجمعين.
الدرس الثاني والستون رحلة
الخليفة الراشد رضي الله عنه.
درس اليوم عنوانه: مقارنات واجبة
لو أردنا أن نأخذ المقارنة على
المستوى الطولي يعني نقارن بين عهد عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك الذي
كان قبله ووليد بن عبد الملك الذي كان قبله إلى أن نصل لمعاوية بن أبي سفيان
لا مقارنة لأنه رجل أخروي وهم أناس عاشوا للدنيا،
كل واحد فيهم كان مغرمًا بحاجة معينة، واحد مغرم بالطعام والنساء هذا عهده
واحد مغرم بالفتوحات الإسلامية هذا عهده، واحد
مغرم بالمجد الشخصي هذا عهده كما سنعرض في هذه
المحاضرة المهمة
لكن الظلم كان انتشر قبل عهد عمر
بصراحة، الفترة الزاهية في دولة بني أمية التي تولى فيها الوليد بن عبد الملك
(احفظوا هذا الاسم)
الوليد في عصره تشابك الخير مع الشر، من الشر أن
الحجاج كان في العراق ظالما، الوليد في الشام، قرة بمصر، وعثمان في المدينة
وخالد بمكة فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن قد
امتلأت الدنيا ظلما وجورا فأرح الناس، يبدو أنه كانت له دعوة مستجابة وهو صغير،
فاستجاب الله له، بعد أنا دعا مات الحجاج وقرة في شهر واحد
ثم تبعهما
الوليد بن عبد الملك وتم عزل عثمان وخالد، واستجاب الله لعمر.
انظروا إلى قوله اللهم قد امتلأت
الدنيا ظلما وجورا فأرح الناس منهم فماتوا جميعا أو عزل بعضهم ولله الحمد
في سنة 96 قلت لك الآن توفي الوليد بن عبد الملك
وسيملك مكانه سليمان بن عبد الملك.
الدولة الأموية لم تكن كلها سيئة
ففى عهد الوليد الإسلام وصل إلى الصين والهند على يد قتيبة، ووصل الإسلام إلى
أوروبا إلى الأندلس وكل من في العالم دخل في الإسلام، في خلافة الوليد وسليمان
وقلت لك أن سليمان بعث جيشًا
كبيرًا لم يسبق في تاريخ العالم، ألف سفينة و120 ألف مقاتل لفتح القسطنطينية وجعل على رأسه شقيقه مسلمة بن عبد الملك وفشل
لكن الخليفة كان يريد فتح القسطنطينية، وفي عهد
سليمان تواصلت الفتوحات الإسلامية، أصبح الإسلام يغطي 3 قارات آسيا وأفريقيا
وأوروبا، اللي تحت السماء كله دخل في الإسلام
أما الأمريكتان وأستراليا وكندا وكذا لم تكن
معروفة قبل، يعني كل اللي على وجه الأرض دخلوا في الإسلام
عندما سيتولى عمر الخلافة سيكون أميرًا على
العالم رئيس العالم، العالم وليس فقط أمير
المؤمنين.
وبلغ من قوة الدولة الإسلامية أن الصين اللي هي الآن بتزلزل كانت
بتخاطب ود بني أمية
ولابد أن نشير إلى أن الوليد بن
عبد الملك رغم طرفه تمام إلا أنه كان من أفضل خلفاء بني أمية فتحت في عهده الصين
وأوروبا وبنى مسجدا لازال موجودا إلى يومنا هذا وهو مسجد المسجد الأموي في دمشق
ومسجد رسول الله في المدينة أعاد بناءه مرة
ثانية، والمسجد الأقصى الحالي هو الذي بناه وصخرة بيت المقدس هو الذي بناه
كان عهده عهد خيرٍ حتى وصل الإسلام
إلى بلاد الاندلس وإلى بلاد الهند. جعل لكل مقعد خادما وعين لكل ضرير قائدًا إنه الوليد
بن عبد الملك وأقام مصانع ومعابر
وكل حياة البناء والرفاهية نسمي عهده عهد
الرفاهية يعني الناس في عهده يسألوا بعضهم البعض أنت معك كم؟ انت عندك كم بيت؟
فلما تولى الخلافة سليمان شقيقه
كان مشهورا بالطعام والشراب والنكاح
فأصبح الناس يسألوا بعضهم البعض ما أكلك ما
طعامك؟ ما عدد زوجاتك؟ وهكذا فالناس على دين ملوكهم
في عهد الوليد الناس يسألوا بعضهم
البعض عن البناء والعمارات وكذا في عهد سليمان عن
المطاعم والمشارب والأكل وكذا
فلما تولى عمر الخلافة صار الناس يسألوا بعضهم
بعضا كم وردا لك؟ كم صلاة لك؟ كم قرآنا لك
تغيرت الحالة عند الناس. يعني كل عصر له مميزاته
التي لا خلاف عليها ولكنهم ساد في عهودهم الظلم خاصة في العراق وفي مصر ظلم شديد
ولذا لما تولى عمر الخلافة لم يكن
يخشى في الله لومة لائم وعزل كل الأمراء الظالمين، لكن عمر بن عبد العزيز لم يقفز
للخلافة فجأة
لما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة ظل يبحث
عن مستشار له أمين فلم يجد سوى بن عمه عمر بن عبد العزيز لم تستمر خلافة سليمان
طويلا
ولكنه أوكل جميع الأمور إلى عمر بن
عبد العزيز، يا سلام، يعني هو تولى الخلافة مبكرًا رضي الله عنه
وكان يشاوره في كل شيء فكان الظاهر
إن الخليفة سليمان بن عبد الملك واللي بينفذ فعلا ويشتغل هو عمر بن عبد العزيز،
ولذا كان منطقيا جدا أن يوصي بالخلافة لعمر بن عبد العزيز مخالفا تقاليد بني أمية.
انت هتلاحظ إيه؟ الوليد بن عبد
الملك، سليمان بن عبد الملك المفروض اللي بعده يزيد بن عبد الملك، هشام بن عبد
الملك
فكسر القاعدة الوليد بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز يزيد بن عبد الملك هشام بن عبد الملك ستلاحظ إن عمر فترة فاصلة
بين عبد الملك الوليد وسليمان وعبد الملك زيد وهشام
الأمة في هذه الفترة كانت في حاجة
إلى عمر، طبعا سليمان بن عبد الملك كان يعيش لنزواته معذرة يعني
وكان يتباهي ويقول أنا الخليفة
الشاب وشتمه رجل شتم مين؟ الخليفة، وأتى بعمر وأتى به المستشارين
فقال سليمان بن عبد الملك أمرت
بقطع عنقه لأنه شتم مين المقام العالي؟ فقال عمر لأ، لا تقطع عنقه
ولكن كما شتمك اشتمه أنت، طبعا هذا الكلام أثار
الحفيظة عند كل الناس أنه يساوي بين رئيس الدولة وبين مواطن عادي
على أية حال: الحق هو الله سبحانه
وتعالى.
سافر عمر بن عبد العزيز مع سليمان
بن عبد الملك، ودي فيها ذكريات كتير جدا أولاً: وهما واقفان في عرفة
فشاهد سليمان عرفة مليئة على
آخرها، فقال لعمر ما كل هذا؟ فقال عمر: هؤلاء رعيتك وخصماءك عند الله، فبكى. هؤلاء
رعيتك وخصماءك يوم القيامة فبكى
وقال سليمان أستعين بالله، لاحظ
عمر إن مخيم أمير المؤمنين. اسمع بتصدر
منه أغاني وطرب وهم في منى لا إله إلا
الله
يعني الرفاهية إلى هذه الدرجة؟
فاعترض عمر على هذا، وأتى بعدها غراب فنعق عند الخيمة، ففهم عمر أن هذه نهاية
لدولة سليمان
وهو الوحيد الذي فهم ولكن لم يتكلم لكنه ألمح
إلى نهاية عهد سليمان بن عبد الملك.
للعلم، كان عمر بن عبد العزيز ولي
العهد في عهد سليمان بن عبد الملك وقال له سليمان إني قد ولينا ما ترى (أنا
الخليفة)
وليس لنا علم بتدبير الأمور وإذا رأيت في مصلحة
العامة فأمر به فليكتب دون أن ترجع لي، أعطاه
تفويض في إدارة الدولة
وظل خمس سنين أميرا على المدينة
ومكة والطائف يعني تلت إمارة المسلمين وهو لا زال صغيرا قعد 5 سنين أميرا على مكة
والمدينة والطائف اللي هي ما يعرف ببلاد الحجاز.
أنا عندما أقارن بين عمر بن العزيز
وبين سليمان بن عبد الملك، أقول إن سليمان ترك الأمر لعمر وتفرغ لنزواته
وكان عنده أربع زوجات، لما مات سليمان وأرادوا
أن يوزعوا التركة أحضروا المحاسبين
(المحاسب القانوني)
وظلوا شهرًا يحسبون ثروة سليمان،
أما عمر فكان راتبه (اسمه هذه) عندما كان أميرا في المدينة وقبل أن يلي الخلافة
كان راتبه أربعة آلاف دينارًا في السنة،
فلما تولى الخلافة أنزلها من 4 آلاف دينار إلى 400 دينار
يعني في اليوم 2 درهم
هذا يوضح لك جانبا كبيرا من عفة
وتقشف أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه
الحجاج بن يوف كان ظالما جدا في العراق، فلما
مات أمر عمر بن عبد العزيز بإطلاق المساجين المظلومين وبإطلاق الأسرى وتعويض من
سلب مالهم ورد المظالم التي كان قد أخذها الحجاج
الحجاج كان يكبر الثروة في العراق لكي يقنع
الأمراء والخلفاء أنه في صالحهم فلما تولى عمر ولاية العهد نسف كل ما فعله الحجاج
ورد المظالم إلى أهلها
كل هذا الكلام الجميل الذي أحدثكم عنه إذا كنتم
مفرفشين معي مصحصحين معي مصلين على حضرة النبي.
قال ابن كثير أقبل سليمان بن عبد
الملك وهو أمير المؤمنين ومعه عمر بن عبد العزيز على معسكر سليمان وفي هذه الخيول
والبغال والأثقال والرجال
فقال سليمان ما رأيك يا عمر؟ وكانوا يحجون، فقال
أرى دنيا ما كل هذا يأكل بعضها بعضا وأنت المسئول عن هذا أمام الله عز وجل
فقال له سليمان: ما أعجبك يا عمر،
انت معترض على كل حاجة؟
وبينما كانوا كذلك أتى مطر شديد
وهم في منى فارتعد سليمان خاف
فقال له عمر: إذا كانت هذه رسالة
رحمة، وأنت تخشاها ما بالك لو جاءتك رسالة عذاب ماذا أنت فاعل؟ قال له هذه رحمة
الله تعالى فكيف لو أنزل الله عليك عذابه.
نحن الآن نرتب الأمور لكي يتولى
عمر الخلافة يعني ايه؟ يعني عهد سليمان بن عبد الملك سينتهي سنة 99 هجريا ويموت
فجأة وهو نازل إلى صلاة الجمعة
وتساق الخلافة إلى عمر بن عبد
العزيز الذي كان قد أوصى له بالخلافة قبلها بليلة
وكان الترتيب الطبيعي إن الخليفة
يكون زيد بن الملك أو هشام و مسلمة اللي هو تركيا حاليا
ولكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يبقى عمر أميرًا
للمؤمنين حتى يصلح الله به الإسلام وحتى ينصر الله تعالى به الإسلام وحتى يعم
الإسلام في كل الديار، ولا يبقى ظلم على وجه الأرض
قبل عمر عبد العزيز لم يكن أحد من
الأمراء حريصًا على الصلاة في المسجد يصلي مع الناس كل الصلوات أو يصلي بهم، تربية
عمر الإيمانية منذ كان في المدينة أميرا وعندما كان طالبا في مصر
وعاش في مصر في حلوان وهو صغير، أنه لا صلاة إلا
في المسجد، ولذا عاقب أمير العراق
عندما تولى الخلافة سيدنا عمر لأنه
علم أنه يتأخر عن صلاة الجماعة، فسأله
فقال: هذا ما كانوا يفعلون، قال له انظر ماذا
كان يفعل النبي وأصحابه، رجل مستقيم استقامة ملائكية
كل عصر من عصور بني أمية كان في اتجاه معين لشيء معين فكان
الناس ينشغلون بما ينشغل به رئيس الدولة، فلما تولى عمر امتلأت المساجد، ليه؟ لأن
أمير المؤمنين أول واحد يصلي وكان الناس قبله في حالة تباهي وسؤال عن الزوجات
وعن المال وعن الثراء البناء وعن الفسح،
أما في عهده فانشغل الناس بالسؤال عن الطاعة، ما وردك اليوم؟
ما ذكرك اليوم؟ ما قرآنك اليوم؟
فصار حديث الناس بينهم داخلا في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال لسانك رطبا
بذكر الله»
درس اليوم مقارنات مهمة وواجبة
وأنا أقارن لابد أن أقول إن الذميين لم يأخذوا حقهم إلا في عهد عمر بن العزيز ورد
الكنائس المنهوبة إليهم مرة ثانية، مقارنات
وأن الموالي يعني الأعاجم الذين دخلوا في الإسلام كانوا يعاملون (أنهم
مواطن من الدرجة الثانية) اللي هو المسلم الفارسي أو الباكستاني أو الهندي فلما
تولى عمر (انظر واستمتع)
ساوى بين الموالي وبين العرب فصار
الجميع سواسية لديه، وبالتالي حس الناس بحالة من الأمن وحالة من الراحة وحالة من
الطمأنينة.
عندما أتكلم عن المقارنات لابد أن
أقول أن الخلفاء قبله كانوا يركزون على الشام اللي هي موضع الإمارة
وكل الإصلاحات التي جرت قبله في
عهد سليمان وفي عهد الوليد بن عبد الملك كانت في الشام
أما عمر العادل فلم يميز الشام عن العراق
ولا عن مصر ولا عن اليمن ولا عن الحجاز، يعني الإصلاحات التي أجراها إصلاحات في كل
الدولة الإسلامية
وبالتالي تساوت البلاد والمدن ولم
يهمل بلد على حساب بلد أو يفضل بلد على حساب بلد، طبعا دي اول مرة تحصل في تاريخ
الإسلام.
الخلفاء قبله لم يكونوا يهتمون بأمر
العامة
الذين كانوا يصلون للخليفة هم
المنافقون والشعراء، أما هو منع دخول الشعراء ودخول المنافقين المداحين
وفي هذا حدث أمر مهم جدا، في إطار
المقارنات التي أتكلم عنها. البريد الذي كان يأتي لم يكن الخليفة نفسه يهتم به،
وإنما كان يوكل له أحد من الرعية ولا يرد عليه، أما عمر بن العزيز فقد اهتم برسائل
العوام وقرأها بنفسها وفحصها بنفسه وكتب عليها ردودا بخط يده وكان خطه جميلا عظيما،
ثم أنفذ إلى الأمراء لتنفيذ كل الأوامر الملكية التي أصدرها.
أخيرا قبل أن أختم محاضرتي وفيها
محبتي، لم يكن للعلماء دور في حياة الأمراء لأن الذين قبله لم يكن عندهم طول البال
ولا التركيز إن هما يجلسوا مع الناس وكذا وكذا ويناقشوا أمر العامة
وإنما كان همهم حل مشاكل الأمة،
أما عمر فكان همه حل مشاكل العوام قبل مشاكل الأمة، لأنه كان يرى أن هؤلاء الناس
عانوا معاناة كبيرة في حياتهم
والآن كما أبلغه النبي في الرؤية
قبل أن يلي الخلافة، أنك تلي الخلافة، وتملأ الأرض عدلاً بعد أن ملأت ظلما وجورا،
ففي ذهنه هذا الكلام
فكان العدل غايته مع العوام، يعني
أي واحد من الناس العوام وقعت عليه مظلمة
هو نفسه عمر الذي يرفع المظلمة عنه بعز عزيز أو بذل ذليل
ثم اكتب عند في ذاكرة قلبك، لم يخشى في الله
لومة الله
كان همه الله كان غايته الله كان حبه الله كان
مصدر إحساسه أن الله لم يضيعه هو الله حتى علاه الله وتبقى الأمة إلى أن تقوم
الساعة على هذا الرجل المجدد عمر بن العزيز رضي الله عنه الذي يدخل في قوله تعالى
"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ
رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا
آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ
(61)" المؤمنون