دور العلماء ووسائل الإعلام في إشاعة التسامح والقضاء على التعصب:
إذا كان التسامح سلوكًا فردًا فعندئذ فإن دور النصح والتوجيه والإرشاد يكون
فعالًا في إكساب سلوك التسامح، وهذا يؤكد أهمية العمل على إشاعة هذا السلوك
المرغوب لدى الجميع.
وأما عن العلماء فيمكن القول إن الداعية المسلم يتمثل في حركاته وسكناته ما
أمر به الإسلام من التزام خلقي ومن طاعة الله تعالى ورسوله ومن نصح للجميع، ومن
دعوة حسنة ومراعاة أحوال الناس وتقدير ظروفهم، والتسامح معهم وعدم الغلظة والجفاء
في توجيههم، وعدم المغالاة والتعسير عليهم، وتقديم البدائل التي تناسب كل طائفة
منهم، ومعاملة الشباب بروح الأبوة الحانية والأخوة الراضية، وإشعارهم بالقرب منهم،
وعدم توجيه الاتهام إليهم، وعدم تعجل إصدار الأحكام عليهم، وعدم المبالغة في تصوير
توافه الأمور، وتضخيم الصغير الهين، كما يجب على العلماء إشاعة الحرية، والترحيب
بالنقد، وإحياء روح النصيحة في الدين، ومخاطبة العقول المبلبلة حتى تستقيم،
والالتزام بطول الحوار بالحسنى لإزالة اللبس، واعتدالهم في أفكارهم، ومراعاة عدم
الخلط بين الصراحة في الحق والخشونة في الأسلوب، لأنه لا تلازم بينهما، فالداعية
الحكيم هو الذي يوصل الدعوة إلى غيره بألين الطرق، وأرق العبارات، دون أدنى تفريط
في المضمون.
ومتى التزم العلماء بكل ذلك، ومتى كان التسامح هو خلقهم ودأبهم فإنه من
الطبيعي أن يكون ذلك هو سلوك غيرهم، ممن يتخذونهم مثلًا وقدوة وهداة، وهذا من شأنه
أن يقضي على التعصب والتطرف.
وأما وسائل الإعلام فدورها خطير في التصدي لمواجهة التعصب، ولك بتوضيح مرآة
الحق في دين الله، وأنه يدعو للتسامح، وأن التعصب بغيض إلى الله ورسوله وإلى
الناس، وتقديم أدلة على ذلك من الكتاب والسنة، والاستعانة في ذلك بآراء أهل العلم
والتبصير والفقه والرأي. كما يكمن دورها في توضيح مثالب التعصب وخطورته على الفرد
والمجتمع، وخطورته على معتقدات الأفراد وسلكوهم، وخطورته على علاقات الأفراد
والسلوك الجماعي لديهم.
ب- التسامح وفاعليته في حياة الأمة الإسلامية:
لما كانت توجيهات الرسول الكريم وسلوكياته دالة على التسامح ومرشدة على
وجوب العمل به، فإن هذا يؤكد أهمية خلق السماحة في حياة الأمة الإسلامية، التي إن
لم يكن التسامح هو السائد فيها، والتي لم تكن الرحمة والمودة هو ديدندها فعندئذ
فهي لم تتخذ الرسول الكريم قدوة حسنة لها.
وليس خافيًا أن تسامح المسلمين في غزواتهم وفتوحاتهم كانت سبيلًا لدخول أهل
تلك البلاد في الإسلام، وليس خافيًا كذلك أن أبرز ما تميز به المسلمون دون غيرهم
كسلوك حضاري إنما هو تسامحهم مع عدم قدرتهم على التمكن من عدوهم.
وقد علمنا رسول الله أن نكون كذلك فهو القائل (من كظم غيظًا وهو قادر على
أن ينفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من
الحور العين ما شاء) رواه أبو داود والترمذي، وهو القائل (ليس الشديد بالصرعة،
إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). رواه مسلم.
ولذا فقد تميزت الأمة المسلمة أخلاقيًا، بالتزامها بالإطار القرآني في ذلك،
حيث تعامل المسلم مع أخيه في ضوء من ذلك، حيث تعامله مع غيره من أهل الكتاب في ضوء
سماحة الإسلامي.
وإذا التزم الجميع بالتسامح فإنه حري "بالمجتمع" أن يبتعد عن
دوائر الشقاق والخلاف والفتن وأن يسمو أفراده فوق التوافه، ويتجاوز الصغائر، ويعفو
بعضهم عن بعض، وعندئذ أيضًا سيكون المجتمع أكثر قربًا من الله، وأكثر تنفيذًا
لتعاليم الإسلام، وأكثر تأدبًا مع الرسول الكريم r. ولما كان الجميع قد شهدوا للإسلام بدعوته
للتسامح، وتنفيذ المجتمع الإسلامي الأول لذلك، وتأكيدهم على أهميته، وجنيهم لثمار
ذلك، فإنه حري بالمجتمعات الإسلامية الحديثة أن تلتزم بذلك، وأن يسودها التسامح،
لتتجنب الفرقة والخلاف والشقاق والفتن.