الموت راحة
من كتاب مناظرات ايمانية لفضيلة الاستاذ الدكتور أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الاسلامى
فالإنسان نفسه يتعب ويتألم من طول الحياة، وتأتي عليه فترة يستشعر أن الموت راحة له، وماذا لو أنَّ أختك عاشت خمسة قرون أو ألف سنة، فهل كان يقوى بدنها الضعيف على تحمل الحياة؟ وهل كانت تخدم نفسها؟ وهل يستطيع بصرها أن يحملها ألف سنة؟ وهل تقدر قدماها بعد مائتي سنة مثلا أن تحملها وأن تسير عليها مثلما تسير عليها الآن؟ وهل تقدر يداها بعد مائتي سنة أن تستخدمها مثلما تستخدمها الآن؟ وهل يقدر سمعها أن يستجيب للآخرين أن يستجيب للآخرين بعد مائتي سنة، وها هو زهير بن أبي سلمى من الشعراء الجاهليين، ويقول:
إن الثمانين وقد بُلغتها
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وهذا معناه أن الإنسان في أغلب الأحوال أن في هذه السِّن، ولتكن ثمانين سنة محتاجة إلى أن يكون هناك إنسان بجوارك يعينك ويساعدك في كل شيء، والإنسان بعد ثمانين سنة يصل إلى حالة من عدم القدرة على استيعاب الأصوات التي حوله.
الملحد يرد على فضيلة الدكتور، ويقول له: بدأت الآن أفهم كلامك.
أحبابي الكرام، دعوني أوجه رسالة إلى كل الملحدين قائلا لهم: إنَّ الحياة كما أنها أصيلة في الكون فإنه ليس لك أن تؤمن بنصف الحقيقة وأن تترك النصف الآخر؛ فنصف الحقيقة أن تكون هناك حياة، والنصف الآخر أن هذه الحياة سوف تنقضي وتنتهي في يوم ما، وهذا معناه أنَّ هناك موتا.
فضيلة الدكتور يقول للملحد: أتأذن لي أن أُسمعك آية؟
الملحد يرد ويقول: تفضل أسمعني إياها دون أن ترتل فإن الترتيل يتعب أعصابي.
فضيلة الدكتور يقول للملحد: حسنا، كما تشاء، يقول تعالى:﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾ [الملك:2].
فضيلة الدكتور يقول للملحد، ويسأله: لقد بدأت الآية بالموت، فلماذا بدأت الآية بالموت، ولماذا بدأ القرآن بالموت، ولم يبدأ بالحياة؟!
الملحد : يسكت ولا يستطيع الرد.
فضيلة الدكتور يرد على الملحد، ويجيبه: إن الله تعالى في القرآن قدم الموت على الحياة؛ وذلك لأن الموت موجود قبل الحياة، بمعنى أن صور العدم كانت هي السائدة قبل أن تكون هناك حياة، فلما جاءت الحياة كُتب لها مع الحياة شهادة الوفاة، بمعنى أن َّيولد ومعه شهادتان: شهادة وفاة وشهادة ميلاد.