الشدائد كنز للفوائد، والمحن سحائب منح
الشدائد كنز للفوائد، والمحن سحائب منح،
وأن البلايا عطايا، والأمور المؤلمات هى فى الحقيقة هبات. وكم مِن كَرْب مرَّ بى فهدانى
لجنّات كنت أشتاق إليها، وأبحث عنها، ومن أشجار هذه الجنات: اللجوء إلى الله، والدعاء
والعمل الصالح والاستغفار وحسن الظن بالله.
كلما
أصابتنى الشدائد وجدتنى لخالقى عائدا، فالشدائد تدفعك إلى الله دفعًا تعيدك إلى ربك
خاشعًا مخلصًا مستغيثًا داعيًا، وهل هناك نعمة أجلّ من أمر يصلح بينك وبين خالقك، ويزيل
عن قلبك رين الدنيا، ويبعث فيه نور الآخرة، ويملؤه بحب الله الذى بيده مقاليد كل شيء.
إن
المؤمن بعبادته يكون فى عز المحنة وشدتها وهولها قويًا ثابتًا، مطمئنًا ثقته بوعد الله
وأمله بتوفيقه، ولطفه كبير وهذا رسولنا- صلى الله عليه وسلم- يقول لصاحبه وهو فى الغار:
{لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، وقال- تعالى-: {قُلْنَا يَا نَارُ
كُونِى بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69].
يقول
كوليم الإنجليزى الذى أسلم، وسمى نفسه عبد الله: (إنه حينما كان مسافرًا على ظهر باخرة
إلى طنجة إذا بعاصفة قد هبت، وأشرفت السفينة على الغرق، وأخذ الركاب يحزمون أمتعتهم،
ويهرولون فى كل اتجاه، وقد اضطربوا لا يدرون ما يصنعون، وإذا به يرى جماعة من المسلمين
قد استوت فى صف واحد يكبرون ويهللون ويسبحون؛ فسأل أحدهم: ماذا تفعلون؟ فقال: نصلى
لله، فسأل: ألم يلهكم إشراف السفينة على الغرق؟ فقال: لا إننا نصلى لله الذى بيده وحده
الأمر إن شاء أحيا، وإن شاء أمات).
وقد
كان هذا الحادث سببًا فى بحثه عن الدين الإسلامى، وهدايته للإسلام وأصبح من كبار دعاة
الإسلام فى إنجلترا، وقد أسلم على يديه الكثير.
ذِكْر
الله راحة وطمأنينة للقلب قال تعالى: {يَا أَيُّها الَّذينَ آمَنوا اذكُرُوا اللّه
ذِكرًا كَثيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأصٍيلًا هُوَ الَّذى يُصَلِّى عَلَيكُم وَمَلائِكَتُهُ
لِيُخرجَكُم مِن الظُّلُمات إلى النُّورِ وَكان بِالمُؤمِنين رَحِيمًا} [الأحزاب:
44].
وقال
رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (ما أصاب عبدًا همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم
إنى عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتى بيدك ماضٍ فِىّ حكمك، عدل فِىّ قضاؤك أسالك بكل
اسم هو لك سميتَ به نفسك أو أنزلتَه فى كتابك، أو علمتَه أحدًا من خلقك أو استأثرتَ
به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب همي، إلا
أذهب الله حزنه وهمه وأبدله مكانه فرحًا) [رواه أحمد].
إن
يونس- عليه السلام- لما أُلقى فى البحر والتقمه الحوت وهو فى كرب وضيق وظلمات بعضها
فوق بعض وليس معه أحد لم ينفعه إلا عبادته وطاعته لله؛ فنادى فى الظلمات: {لَا إِلَهَ
إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].
قال
أهل التفسير: (سمعت الملائكة هذه الكلمة فبكت وقالت: يا رب، صوتٌ معروفٌ من عبدٍ معروف)
فقال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إِلَى
يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 143-144].
كم
ذكّرت الشدائد غافلًا، وكم هدتْ عاصيًا، وكم قربتْ بعيدًا، وكم غفرتْ ذنبًا، وكم غسلتْ
قلبًا؛ فكيف تجزع من أمر يعيدك إلى محبوبك، ويغفر لك ذنوبك، ويخلصك من حب الدنيا، ويبدّل
مكانه حب الآخرة، ويعلمك أن كل أمر صغير أو كبير هو بيد الله، فهو وحده سبحانه من يملك
الأمر، ووحده سبحانه من يكشف الضر، ويبدل العسر يسرًا.