الرفق والإحسان في الأسرة المسلمة

الرئيسية المقالات مقالات دينية

الرفق والإحسان في الأسرة المسلمة

الرفق والإحسان في الأسرة المسلمة

ما يزين الأسرة في الإسلام أنها تسير تحت ظل رباني يقوم على المودة والرحمة والرفق، فتنتج ثمارًا يانعة من تملأ الدنيا رفقًا ورحمة وأمنًا وسلامًا، قال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ». متفق عليه.

الرفق هو قوام الأسرة، وهو الذي ينبت نشأ صالحًا متراحمًا، ينشر الروح الإسلامية السمحة التي تقوم على التواد والرحمة، وليس القسوة والشدة.  والإسلام يأمر بالرفق في جميع الأمور، وخاصة مع الأبناء، فهم زرع اليوم وثمرة المستقبل، يقول ابن الجوزي: «واعلم أن رياضة النفس تكون بالتلطف والتنقل من حال إلى حال، ولا ينبغي أن يؤخذ أولًا بالعنف، ولكن بالتلطف، ثم يمزج الرغبة والرهبة«.

وانظر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كيف يوجه طفلًا برفق ولين، وهذا الطفل كان يرمي النخل، ويأكل منها، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح رأسه وتلطف به، ثم نهاه عن رمي النخلة، ففي المسند عن رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «كُنْتُ وَأَنَا غُلامٌ أَرْمِي نَخْلًا لِلأَنْصَارِ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقِيلَ: إِنَّ هَاهُنَا غُلامًا يَرْمِي نَخْلَنَا، فَأُتِيَ بِي إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا غُلامُ! لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ؟ قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ. قَالَ: فَلا تَرْمِ النَّخْلَ وَكُلْ مَا يَسْقُطُ فِي أَسَافِلِهَا، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: اللَّهمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ«. رواه أحمد.

وهنا يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم الرفق مع الأبناء في التوجيه والمعاملة.

قال النووي: (فيه: النَّدْب إلى حُسْن المعاشرة واللِّين والتَّواضُعِ والرِّفْق بالصِّغار وغيرِهم).

 وقال ابن حجر: (ويستفاد منه: الرِّفْق بالأطفال، والصَّبْرُ على ما يَحْدُث منهم، وعدمُ مؤاخذتِهم؛ لعدم تكليفهم).

 وعن أنس رضي الله عنه قال: كانت الأَمَةُ من إماء المدينة لَتأخُذُ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت. رواه البخاري، ولفظ أحمد: إِنْ كانت الوليدة مِنْ ولائد أهلِ المدينة لَتَجِيءُ؛ فتأخذُ بيدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فلا يَنْـزِعُ يدَه من يدِها، حتى تذهب به حيث شاءَتْ.

قال ابن حجر: (والمقصود من الأخذ باليد: لازِمُه، وهو الرِّفْقُ والانقياد، وقد اشتمل على أنواعٍ من المبالغة في التواضع: لذِكْرِه المرأةَ دون الرجل، والأَمَةَ دون الحُرَّة، وحيث عمَّم بلفظ (الإماء) أيَّ أَمَةٍ كانَتْ، وبقوله: (حيث شاءت) أي: من الأمكنة، والتعبيرُ بالأخذ باليدِ إشارةٌ إلى غايةِ التَّصرُّفِ، حتى لو كانت حاجَتُها خارجَ المدينة، والتمسَتْ منه مساعدتَها في تلك الحاجة، لساعد على ذلك، وهذا دالٌّ على مزيد تواضُعِه، وبراءته من جميعِ أنواعِ الكِبْر صلى الله عليه وسلم).

إنه الأصل التشريعي الرحيم الذي يأمرنا بمعاملة الطفل بالرِّفق واللّين.

عن أم الفضل - زوج العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: رأيت كأنَّ في بيتي عضوًا من أعضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فجَزِعت من ذلك، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له؟ فقال: (خيرًا، تلد فاطمة غلامًا فتكفلينه بلبنِ ابنِك قُثَم). قالت: فولدت حسنًا، فأُعطِيتُه فأرضعته حتى تحرك أو فطمته، ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسته في حَجْره فبال، فضربت بين كتفيه.

 فقال: (ارفقي بابني رحمكِ الله - أو: أصلحكِ الله - أوجعتِ ابني). قالت: قلت: يا رسول الله اخلع إزارك والبس ثوبًا غيره حتى أغسله. قال: (إنما يغسل بول الجارية، وينضح بول الغلام) رواه أحمد وأبو يعلى.

لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرحم الناس وأكرمهم، وهو الذي كان يُقبِّل الحسن والحسين، وكان - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَبَّل الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسًا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحدًا منهم، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (مَنْ لا يَرحَمُ لا يُرحَمُ).متفق عليه. ويكمل السعادة ويتم تاج الرحمة والرفق في الأسرة المسلمة أن تكون الرحمة شاملة والمودة تعم الأولاد والزوج والزوجة حتى يصبح الرفق ظلا ظليلا ونعيما مقيما.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (واستَوْصُوا بالنِّساء خيرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه، فإن ذهبْتَ تُقِيمُه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزَلْ أعوجَ، فاستَوْصُوا بالنِّساءِ خيرًا). رواه البخاري ومسلم.

قال النووي: (استوصوا بالنساء: فيه الحثُّ على الرِّفق بالنساء واحتمالِهنّ ). وقال ابن حجر: (معناه: اقبَلوا وصيَّتي فيهنَّ، واعمَلوا بها، وارفُقوا بهنَّ، وأحسنوا عِشْرتَهُنَّ). 

ومن صور الرِّفق بالزوجة: مُداراتُها:

قال صلى الله عليه وسلم: (فَدارِها تَعِشْ بها) أخرجه أحمد. وبوّب البخاري في (كتاب النكاح) لهذا فقال: (باب المداراة مع النساء). قال ابن حجر: (المُداراة: هو بغير همز، بمعنى المجاملة والمُلاينة). والمُداراة باعتبارها لونًا من ألوان الرِّفق مطلوبة، وهي في حقِّ الأهلِ مطلوبةٌ بالأَوْلى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (خِيارُكم خِيارُكم لِنسائهم) رواه الترمذي.

ومن صور الرِّفق بالزوجة: خِدْمتُها، وتخفيفُ الأعباء عنها:

عن الأَسْود قال: سألْتُ عائشةَ: (ما كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يصنعُ في بيته؟ قالت: كان يكونُ في مِهْنة أهله – تعني: خِدمةَ أهله - فإذا حضرت الصَّلاةُ خرجَ إلى الصَّلاة).

ومن صور الرِّفق بالزوجة: الإغضاء عن هفواتها، ومسامحتها: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (شِدَّة الوَطأة على النِّساء مذموم؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم، وترك سيرةَ قومه).

وفي خاتمة وصايا النبي عليه الصلاة والسلام الأساسية في حجة الوداع، عن عمر بن الأحوص قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «ألا واستوصوا بالنساء خيرًا وقال صلى الله عليه وسلم: وقوله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي) رواه الترمذي هذا هو المعروف، وهذه هي العشرة بالمعروف وقد قال الله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء:19].

وهكذا تكون الرعاية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ). إنه الرفق الذي أمر به رب العباد، ووصى به النبي صلى الله عليه وسلم حتى يثمر محبة وراحة وسلامًا وأمنًا في الدنيا والآخرة، اللهم ارزقنا البر والرفق والرحمة والغفران يا رب العالمين.


تصفح أيضا

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض