الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الحمد لله ربّ العالمين، نحمد ربنا لا إله إلا أنت، لك الملك والملكوت وأنت الحي الذي لا يموت، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. اللهم أمدنا بأنسام لطفك التي لا توهب إلا للأبرار، واجعلنا في الأخيار، وأكثر بنا الأخيار يا رب العالمين. والصلاة والسلام على خير المتضرعين إلى الله، وخير المتطهرين والشكارين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. هذا الدرس -إن شاء الله تعالى- عن الخليفة الخامس الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه خريج المدرسة العمرية، سليل الأكرمين، وريحانة الزمان. يقول سفيان الثوري: الخلفاء خمسة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم. ويقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: كنا نبحث عن من يجدد دين هذه الأمة، فوجدنا أن أول من جدد دينها على رأس المائة الأولى هو عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه بالإجماع. عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إمام قرن، ومن جدد دين الأمة في القرن الثاني هو الإمام الشافعي رضي الله عنه. وَكلُّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ غَرْفاً مِنَ الْبَحْرِ أَوْ رَشْفاً مِنَ الدِّيَمِ عندما ألقى درس (العمريات) عصرا يتشابه عندي الأحداث مع الوقائع مع الصالحين الكبار، أنا في موقف صعب. كانت خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على مدى عامين وخمسة أشهر. لم ير الناس في تاريخ الإسلام قدر ما شاهدوا في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وهو الذي قال عنه سيدنا صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم الذي جاء في الصحيحين: (لا تقوم الساعة حتى يطوف أحدكم بصدقته، لا يجد من يقبلها منه) قبل أن يلي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أمير المؤمنين كان أميرًا على المدينة المنورة، وكان لا يزال بعض الصحابة رضي الله عنهم أحياء، ومنهم أنس بن مالك رضي الله عنه الذي دعا له النبي أن يعيش طويلا فعاش أنس بن مالك رضي الله عنه طوال خلافة بني أمية، فكان أنس بن مالك رضي الله عنه يصلي خلف عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما باعتباره أميرًا على المدينة المنورة يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: لم أشهد أحدًا يصلي صلاة أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا الفتى. حق لمصر أن تفخر؛ لأن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنها ولد بها في مدينة حلوان عام 36 هجرية، وكان والده أميرًا على مصر، فحفظ القرآن الكريم في مصر، وقضى طفولته الجميلة في مصر فخرج من مصر طفلًا عالمًا حتى قالوا عنه: كان العلماء بالنسبة له تلامذة. يعني أعجوبة من أعاجيب الزمان. وعندي من تزاحم الأفكار حالة نورانية، وأنا أرتعش من الدرس. لما دفن سليمان بن عبد الملك الخليفة الذي كان قبله، وهو عائد جيء له بمواكب الخليفة ثلاثمائة حارس، فقال: ما يغنيني هذا، ائتوني ببغلتي التي كنت أركبها، فقالوا: ماذا تفعل بهذا؟ قال: خذوها إلى سوق في الشام فبيعوها واجعلوا مالها في بيت مال المسلمين. وركب بغلته وهو أمير المؤمنين، فعاد وجلس في بيته صباحًا فدخل عليه ابنه، فقال له: ما الذي أجلسك يا أبي؟ فقال: أنت تعرف أننا شغلنا يومين لتجهيز الخليفة، وقد تعبنا وإني أنتظر حتى يأتي الظهر كي أخرج فأعيد المظالم إلى أهلها. فقال له ابنه: وما يدريك أن يأتي عليك الظهر؟ اخرج الآن يا أبي. {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 34] ابنه يذكره بالله تعالى. فخرج وجمع أعيان بني أمية، وجمع أهل بيته وقال: ما أخذتموه من المال من الناس أو من بيت مال المسلمين، فإنها مظالم، ولا بد أن ترد اليوم. وجرّد أولاده وأهل بيته من كل شيء. وهذا القرار ألب عليه بني أمية، وسنرى في آخر الدرس ماذا فعلوا به. وكان لهم عطايا مليونية فمنعهم إياها وقال: أسوي بينكم وبين الناس، ولم يكن له راتب من بيت المال سوى درهمين كل يوم، حتى دخل على زوجته فاطمة بنت عبد الملك وقال لها: هل عندكم درهم نشتري به عنبًا؟ فقالت: لا ثم تعجبت، وقالت له: أتكون أمير المؤمنين وليس في بيتك ردهم؟ فقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: هذا أحب إلى من أن أساق بالأغلال يوم القيامة. طبعا حياته مع الله ومع الناس أنه جدد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الدين، لأن قبل عهده كانت المظالم في منتهى البشاعة وكثر القتل والسبي، وساد الظلم وضاعت الأمانة وفي خلال ستة أشهر ملأ الأرض عدلًا. عندما كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه في مصر رفسته دابة، فأشجت جبهته فأتى والده يمسح له الدم وقال له: لئن كنت أشج بني أمية إنك سعيد لماذا؟ لأن عمر بن الخطاب قال: يخرج من ولدي رجل أشج يملأ الأرض عدلا بعد أن مُلئت ظلما. فكان عمر بن عبد العزيز يسمى أشج بني أمية والذي سماه هو جده الفاروق عمر، فلما ساد العدل في الشهور الأولى من حكمه رضي الله تعالى عنه؛ لأنه كان شديدا في الحق، وكان يتكلم بقلب المؤمن الثابت الصابر.