(حول
الموت والحياة)
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ
العالمين، لا عزّ إلا في طاعتك، ولا نعيم إلا في رضاك، ولا سعادة إلا في التذلل
بين يدي عظمتك، والصلاة والسلام على أسعد الأنام من نشر السلام، والوئام في جنبات
الأرض كلها، وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين.
أحبتي الكرام، إنَّ الملاحدة كعادتهم لم
يتركوا شيئا إلا واستهزأوا به، ولم يتركوا شيئا إلا حقَّروا من شأنه، ولم يتركوا
شيئا إلا وجعلوه مَحَلاًّ للاستهزاء بالله عز وجل؛ فهم أكثر الناس جدلا مع إخفائهم
الحقيقة، والقضايا التي يطرحونها دوما تتسم بالحدة والانفعال والتوتر الذي يجعل
استيعابهم للطرف الآخر - الذي هو أنا الذي أناظرهم وأحاورهم - ليس أمرا سهلا ولا
هيّنا.
يعتقد
الملاحدة أنهم على حق، والآخرين على باطل
أحبتي الكرام، تتعاظم أهمية هذه المناظرات
بيني وبين الملاحدة وتشتدّ الحاجة إليها؛ وذلك مع كثرة أفواج الملاحدة الذين يبحثون
عن مصادر للإلحاد، ومع ذلك فإنهم طائفة من الناس يستشعرون أنهم على حق، وأنَّ
الآخرين كلهم على باطل، وهذا الإحساس سنحاول بكل رأفة واقتدار أن نهدمه، بإذن الله
تعالى.
إنَّ قضيةَ الموتِ والحياة عند المسلمين هي
قضيةٌ مُسَلَّمٌ بها، وهي عند المسلمين قضيةُ عقيدة، وهي عند المسلمين إيمان
بالغيب، وهي عند المسلمين الموحدين عبارة عن حالةٍ من التَّلقِّي لأوامر الله بشيء
عظيم من التسليم بالقدر، هذا بالنسبة لقضية الموت موضوع المناظرة.
إنَّ قضيةَ الموتِ بالنسبة للملحد، فإنه
تكلم عنها في مقال بعنوان: "من دهاليز الموت جاءت الآلهة.. لماذا
يؤمنون؟" ثم قال: إن الموت كان صدمة عظيمة له عندما توفيت أخته أمامه، وموت
أخته شيء طبعي، كما مات الناس من قبلها.
الملحد يقول: إنه عندما رأى أخته وهي تموت،
فإنه قد تذكر الإنسان البدائي في أول الحياة، وكيف أنَّ الدنيا كانت واسعة عليه
كما، فبدأ يتخيل أنَّ هناك إلها يرصده ويهتم بهن، وأن هذا الإنسان ضعيف حوله أسود
وحواليه فهود، وأسود وذئاب وديناصورات؛ فالإنسان ضعيف، ومن هنا بدأ الإنسان يصاب
بحالة من الوهم، وهذا الوهم جعله يعتقد اعتقادًا جازمًا أنَّ الكونَ في حاجة إلى
إله، وبالتالي فإنَّ فكرةَ الإله المزعومة نشأت من ضعف الإنسان البدائي من القدرة
على السيطرة على مُجرَيَات الأمور.
الملحد
لا يؤمن بالروح ولا بالبعث بعد الموت
ثم
يقول الملحد: وأحاط به الألم، وأحاط به القلق، خاصةً عندما شاهد أهله يموتون
أمامه، فيقول: إنَّ موت الأحياء ليس فجيعةً فقط، وإنما موت الأحياء هو صفعة
لوجودنا، ونفهم من هذا الكلام أنَّ الملحد يكفر بالموت، أي أنه غير مقتنع أصلاً
بأنَّ هناك حاجةً إلى الموت، ويستطرد الملحد، ويقول: "لعل أسطورة الروح
والعالم الآخر"، ونفهم من كلامه هذا أن الملحد لا يؤمن بالروح أصلا ولا يؤمن بالبعث
بعد الموت.
ثم
نجد الملحد يقول: "إن هذه المعاني كلها أنتجها الفكر البشري المريض ليتجاوز
الموت في ظلّ ضعف إنساني اُستُمِد من الخيال والوهم لمواجهة تلكم اللحظات العصيبة
والتي يعيشها الإنسان".
ثم
نجد الملحد يقول:" الموت حالة من التصادم، ومعناه أن الإنسان ليس قادرا على
السيطرة على الطبيعة فبدا له الموت صفعةً قويةً تهزأ بوجودهِ في الحياة، فإذا بإله
يخرجه من سراديب الموت قاهرًا العدمَ والخواءَ برجاء في حياة ووجود آخر" إلى
آخر هذا الكلام، حتى قال الملحد: "كيف يتساوى الإنسان في الموت مع حشرة أو
دودة وحيوان في النهايات؟! وكيف يكون مصيري كمصيرهم؟! وما معنى أنني أرى صور
الموتى في مخيلتي؟! فلابد - إذن - أنَّ وجودي يُغاير الطبيعة بمعنى أنني كإنسان لا
يفترض أن أموت"، ولا زال الملحد يهاجم موضوع الموت وينكر الموت بهذه الطريقة،
ونجد الملحد أيضا.
يقول: "نحن أمام مصيبة كبيرة ينبغي أن نؤمن
بها دون أن نصدّق بها، فكيف تقنعني أنني بعد أن أموت، وبعد أن تُبلى عظامي
سَأُجْمَعُ مرةً ثانيةً، فإنَّ هذا الضعف والمرض في فكر الإنسان هو الذي جعله
يعتقد أن هناك إلهاً قادرًا على أن يبعث فيه الحياة بعد أن ذهبت منه الحياة وبعد
أن أكلته الأرض"، وهكذا فإنَّ الملحدَ لا يؤمن بالموت ولا يؤمن بالبعث - أيضا
- وهو يُنكر وجودَ الله تعالى ولا يعتقد في الموت.
سبب
إلحاد هذا الملحد
ولا زال الملحد يقول ويوضح لنا: "إنه
في الأيام الأخيرة من عام 2015م جاءت وفاة أخته الثانية بعد وفاة أخته الأولى
بسنتين"، ويقول: "وعندما توفيت أختي الطيبة الحنونة كان هذا انهيارًا
أمامي، وتأكَّد لي ما كنت أعتقد فيه عند رحيل أختي الأولى، فقلت: الموت هو الوهم
الذي نعيشه"؛ فالموت عنده عبارةٌ عن وهمٍ وخرافةٍ وأسطورةٍ، ثم نجده يقول:
"لا يوجد شيء يُسَمَّى الموت"، ثم قال: "ما هو الفرق بين وجود
الإنسان ووجود دودة؟".
ثم
ينتقل بعد هذا إلى الكلام عن الروح، ثم يقول: "الخوف عن الموت شعور حقيق،
ولكنه شعور غير منطقي ولا عقلاني"، ثم قال: "رجال الدين بارعون انتهازين
في تسويق الموت؛ كي يقنعوا الناس أنَّ هناك موتًا وأنَّ هناك إلهًا، وعندما توفيت
أختي كانت الناس يقدمون إليَّ المواساة، ولم أكن مقتنعًا بمواساتهم بعد الصَّفعةِ
التي قَدَّمَهَا إلهكم إليَّ"، وهكذا يا أحبائي، فإن الملحد يقول في النهاية:
إن الاعتقاد في الموت والبعث نوعٌ من الهَوَسِ الدِّيني.
عزيزي الملحد، لماذا تركت الإسلام أولا؟
يقول: وجدت أنَّ الإسلامَ عبارة عن أساطير،
ووجدت أن الإسلام عبارة عن هوس كلامي، ووجدت أنَّ الذين يتحدثون عن الإسلام عبارة
عن مُسوقين لثقافة تقوم على الاستسلامِ للأمر.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد، ويقول له: وماذا
فعلت أنت عندما تركت الإسلام ؟
الملحد يجيب ويقول: أحسست بوجودي.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد، ويقول له: وهل
منع الإسلام وجودك؟
الملحد : يسكت ولا يجيب على فضيلة الدكتور.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد مرة أخرى، ويقول
له: وهل أقام الإسلام عليك حواجز فكرية تقيد حركتك في الحياة، لكي يمنعك من الحركة
ومن الكلام؟
الملحد : يسكت أيضا، ولا يجيب على فضيلة
الدكتور.
أحبابي الكرام، إن الملحد يقول: إن الإسلام
عبارة عن كبت وعبارة عن تخويف وعبارة عن فزاعات، ومن أكبر هذه الفزاعات هي فزَّاعة
الموت.
فضيلة الدكتور يسأل الملحد، ويقول له: وهل
موت أُخْتَيْكَ هو الذي سبَّبَ خروجك من الإسلام؟!
الملحد يجيب ويقول: (لا) أنا خرجت من
الإسلام قبل موت أخواتي بعشر سنوات، ولكنني بدأت أتكلم عن الموت عندما شاهدتهما
يموتان أمامي عام 2013م، وعام 2015م، وقلت حينها: لماذا يموتان؟!
والملحد يقول: إنني قد وصلت في فترة معينة
إلى اعتقاد أنَّ الكونَ لا يحتاج إلى إله وأنه ليس هناك إله، وبالتالي فإنَّ صور
العنف والفساد التي شاهدتها في بلادي وفي بلاد أخرى، فقلت: أين هذا الإله الذي
يترك الشعوب تموت ويُعبث بها والذي يموت حرقًا والذي يموت غرقًا والذي يموت هدمًا،
فأين رحمته بعباده؟! ثم يقول: وعندما خرجت من الإسلام وجدت حريتي الشخصية في الكفر
والإلحاد.
أحبابي الكرام، إنَّ الملحدَ يقول: إن
ظاهرةَ الموت بالنسبة إليه هي فكرة غامضة اخترعها الإنسان البدائي عندما شاهد
الحياة أمامه واسعة والتحديات أمامه أكثر، أحسَّ حينها الإنسان أنه إنسان ضعيف،
فبدأ ينظر إلى السماء لكي تعينه على مواجهة الحياة والحيوانات الكاسرة، والوحوش
الغابرة والإنسان الفاتك الذي يحب أن يفتك به، فبدأ الناس يكونوا نظرية الإله من
الحاجة؛ أي أن الناس يحتاجون إلى من يؤازرهم، وبدأ الناس يبحثون عمّن يؤازرهم،
فقالوا حينها: إن السماء لابد فيها من وجود إله، ومن هنا نشأت فكرة الإله.