(الشدة
في أحكام الله عز وجل)
بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله ربّ العالمين، اللهم لك الحمد على تمام
العافية، ولك الحمد على نور القرآن، وعلى نور الإيمان، وعلى نور البيان. لولا أنت
ما اهتدينا، وما صدقنا وما صلينا، فأنزلن سكينة علينا، وثبِّت الأقدام إن لاقينا.
والصلاة والسلام على خير الذاكرين، وإمام
الذكَّارين الشكَّارين المطواعين المنيبين، سيدنا محمد خير من خلق الله، إمام
الهادين المهديين، وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين.
أحبابي الكرام، نتناقش اليوم في قضية مهمة
جدا، وضيفي في هذا اليوم ملحد واحد كان مسلما، ثم ارتد ّعن الإسلام، وقال: إنه
ارتدّ عن الإسلام؛ لأنه دين يقوم على العنف وعلى التعصب، وعلى الشدة في الأحكام،
وهذا هو كلامه الذي سأكون سعيدا في الرد عليه في هذه المناقشة.
أحبابي الكرام، صديقي الذي لم يكن ملحدا،
والآن للأسف أصبح ملحدا قد أردت أن أخصص درس اليوم له وحده، ولم أستضف أحدا غيره؛
لأن القضية التي يعرضها قضية جوهرية نحتاج فيها أن نسمع رأيا واحدا في قضية واحدة،
ثم نناقشه بهدوء وأدب وموعظة حسنة، وهكذا دعني أتقدّم إلى حضرته إذا أذنتم لي كي
نبدأ المناظرة.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وطبعا
لم يرد السلام، وإذا به يقول: السلام كان في الماضي، أما الآن فإسلامكم ليس فيه
سلام، أين السلام والأبرياء يقتَّلون في كل مكان في العالم باسم الإسلام؟! ورفض أن
يرد عليَّ السلام، لا حرج سهلة بسيطة، ماذا أقول لك؟ فقال: لا تقل شيئا، كفاك
رطرطة، فأنتم قوم لا تعرفون إلا الكلام، قلت له: حسنا شكرا أشكرك، وماذا عندك اليوم؟
فقال: أنا كنت مسلما مثلك وكنت أعيش في بيئة عربية مليئة بالإيمان، في دولة عربية
عريقة بالإيمان والمساجد، ولكنني عندما نشأت شابا بدأت أرى مظاهر الإسلام الشديد،
الإسلام الدموي الذي لا يمكن أن يعبر عن سماحة ربكم، ولا عن سماحة دينكم، ولا عدم
تقبلكم للطرف الآخر، فقلت له: هل درست أديانا أخرى غير الإسلام؟ بمعنى هل درست
المسيحية - مثلا - درست اليهودية؟ درست الأديان الوضعية، مثل البوذية والأديان في
اليابان والهند وكذا؟ فقال: لا.
دعوني أسأله معشر السادة الكرام سؤالا آخر:
هل قارنت بين الإسلام وبين أديان أخرى؟ فقال: لا، ولكن الإسلام بالنسبة لي كان
مثاليا، وكنت أدين بهذا، وكنت أعتقد في هذا، فلما نشأت شاهدت صورا لقتلى، وأبرياء
بأيدي أناس مسلمين ملثمين أو غير ملثمين يفعلون هذه الوحشية الدموية باسم الإسلام،
ويستندون إلى آيات قرآنية تُبيح لهم قتل الأبرياء، فقلت له: هل درست القرآن لكي
تعرف دلالات الآيات ومواضع الآيات وسياق الآيات؟ فقال: لا.
أحبابي
الكرام، إنَّ كلمة (لا) بالنسبة له خسارة كبيرة، لماذا؟ لأن الذي يقدم أدلة دون
تقديم براهين ساطعة على آراء معينة فهذا باطل، يقول تعالى: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ
اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ
رَبِّهِ} [المؤمنون: 117]، بمعنى أنّ الإسلام يُسَلِّم للكافر بكفره، انظروا يا
سادة إذا قدَّم دليلا على أرجحية كفره، يعني منتهى السلاسة، وبالتالي فنحن في حاجة
إلى أن نتناقش مع أناس مثقفين ثقافة عالية؛ لكي نصل معهم إلى غور الأمور، وإلى
حقيقتها التي زيَّفها الناس، وإنَّ دوري هنا في هذه المناظرات أن أضع النقاط على
الحروف، وأن أواجه الشك والتردد والتذبذب الذي أصبح سمة أساسية عند الملاحدة وعند
بعض المسلمين، ولذلك كانت هذه المناظرات ينتفع بها المسلمون، وينتفع بها غير
المسلمين؛ لأنني في الأساس أقوم على توضيح مفاهيم غامضة غابت عن كثيرٍ من الناس
ممن قرؤوا النصف الأول من الصفحة، هذا ما يحدث بصراحة، ولم يقرؤوا النصف الآخر ممن
شاهدوا النصف المليئ في الكوب، ولم يشاهدوا النصف الآخر ممن يكيلون بمكيالين وليس
بمكيال واحد، بمعنى أنه كيف يقوم الملاحدة بتحميل كافة الجرائم الوحشية إلى
الإسلام والمسلمين، أليس هذا ظلما؟