((خير ما تطلبه منه سبحانه وتعالى ما هو طالبه
منك))
هذه الحكمة لصلاح النفوس
واستقامة القلوب، وهي الحكمة السابعة والخمسون: ((خير ما تطلبه منه سبحانه وتعالى
ما هو طالبه منك)).
إنها حكمة بليغة! في البداية
نستعرض معا النداءات في القرآن الكريم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
[البقرة: 153]، هذا الذي يطلبه منك الملك، فأنا أقول للملك: اللهم أعني بالصلاة،
وأعني بالصبر، وأعني بالعبادة على طاعتك، اللهم أعني على ذكرك، وشكرك وحسن عبادتك.
يقول الملك: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70]
وهذا ما يطلبه الله تعالى منك، وأنت تطلب منه: اللهم اجعلني تقيًّا نقيًّا، واجعل
قولي سديدًا، وعملي سديدًا، وأصلح لي عملي، وأصلح لي بالي، إذن فالمطلوب منك أن
تعرف الأوامر القرآنية ثم تدعو الله تعالى بها فقط. هذه هي الحكمة.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ
إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ
أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 12]، هذا ما يطلبه منك الملك، وتطلب أنت من
الملك، اللهم إني أسألك بنور وجهك العظيم أن تبعد عني سوء الظن، وأن تبعد عني
الكذب، وأن تبعد عني سوء الاعتقاد، فالله تعالى يطلب منك مجموعة من الأوامر
الربانية.
قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ
لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ
يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ
وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ
أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27]، تأمل يا ابن آدم هذا ما
يطلبه الله تعالى منك، وأنت تقول: اللهم باعد بيني وبين الشيطان، اللهم باعد بيني
وبين همزاته، اللهم باعد بيني وبين نفخاته، ونفثاته، ووسوسته.
الإسلام يحب أن تدعو الله
تعالى في كل شيء، ليدعُ أحدكم ربه حتى في شَسَع نعليه -أكرمك الله!- لو أن الإنسان
يلبس نعلًا أو حذاء، وقُطع منه، يقول: يا رب اللهم أعني حتى أصلح حذائي، وإذا
افتقد الشخص ملح الطعام في بيته، وليس عنده ملح ، أو ماء، أو طعام، يدعو الله
تعالى أن يعطيه ما تمنى، الله تعالى يحب لك العافية، فاسأله العافية، كي تبلغ
الهمة العالية، كما قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: ((ففي الحديث عن العباس بن عبد المطلب قال: قلتُ: يا رسولَ
اللهِ علّمنِي شيئاً أسألهُ اللهَ قال سلِ اللهِ العافِيَة فمكثت أيامًا ثم جئْتُ
فقلتُ يا رسولَ اللهِ علّمْني شيئا أسألهُ الله فقال لي يا عباسُ يا عَمّ رسولِ
اللهِ سلِ الله العافِيَةَ في الدنيا والآخرةِ))،
الله تعالى يحب لك أن تكون سعيدًا في الآخرة، ولن تبلغ السعادة في الآخرة إلا إذا
بلغت أعلى الجنان، وأعلى ما في الجنان الفردوس الأعلى في الجنة، فإذا سألتم الله
تعالى كما قال سيدنا صلى الله عليه وسلم: فـاسألوه الفردوس الأعلى في الجنة.
لا تقل لي: أنا لست في حاجةٍ
إلى الدعاء، وأنا حياتي منضبطة، والأمور متيسرة معي.. لا، هذا خطأ كبير، لن تستطيع
أن تحيا إلا بالله، {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ } [إبراهيم: 34]، كل
ما في حياتك مرجعه إلى الله عز وجل، ولو تأملت جميع التفاصيل الموجودة في الحياة،
فإن باعثها وخالقها ومرتبها ومهندسها ومنظمها ومخططها هو الله سبحانه وتعالى، وفي
هذا المعنى، لابد أن ترجو من الله تعالى ما ترجو، {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ
فَتَرْضَى} [الضحى: 5]، {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 21]، { لَعَلَّكَ تَرْضَى}
[طه: 130]، هذا في ثلاث آيات وثلاث سور، رضي الله عنهم ورضوا عنه، هذه المعاني
التي يحبها الله تعالى لك، فـاسأل ربك بها، وردد دوماً((اللهم إني أسألك رضاك
والجنة، أعوذ بك من سخطك والنار))
ففي الحديث عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((اللهمَّ إنِّي أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ
عَاجِلِه و آجِلِه ما عَلِمْتُ مِنْهُ و ما لمْ أَعْلمْ ، و أعوذُ بِكَ مِنَ
الشَّرِّ كلِّهِ عَاجِلِه و آجِلِه ما عَلِمْتُ مِنْهُ و ما لمْ أَعْلمْ ، اللهمَّ
إنِّي أسألُكَ من خَيْرِ ما سألَكَ عَبْدُكَ و نَبِيُّكَ ، و أعوذُ بِكَ من شرِّ
ما عَاذَ بهِ عَبْدُكَ و نَبِيُّكَ ، اللهمَّ إنِّي أسألُكَ الجنةَ و ما قَرَّبَ
إليها من قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ ، و أعوذُ بِكَ مِنَ النارِ وما قَرَّبَ إليها من
قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ ، و أسألُكَ أنْ تَجْعَلَ كلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لي خيرًا)) الله تعالى يحب لك أن تكون راضيًا في الدنيا، كما يحب الملك أن يرضيك في الآخرة،
لأنك تعبت في الحياة، الله تعالى يريد أن يكافئك، ولن يكافئك الملك إلا عندما
تستشعر حالة الافتقار إليه، وهذا هو الأدب الذي أتحدث عنه اليوم، أدب الافتقار إلى
الله عز وجل، والمقصود أن الله تعالى يقول: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلًا}[المزمل: 4] وأن الله تعالى يقول {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ
كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ
مُلْتَحَدًا}[الكهف: 27] هذه أوامر، وهذه أساليب أمرية، الله تعالى يحب لك أن تكون
على هذه الحالة، قارئٌ، وتالٍ، ومرتل، تقول: يا رب، اللهم أعني بالقرآن، وأعني على
القرآن، وثبتني بالقرآن، واجعل قلبي مستودعًا لأنوار القرآن، وأسرار القرآن،
واجعلني من أهل القرآن، وأحيني على القرآن، وأمتني على القرآن، وثبتني بالقرآن،
ووسع لي في قبري بالقرآن.. كل هذه المعاني أنت قلتها لأن الله تعالى هو الذي أمرك
بها، هو الذي فتح لك الباب.