لو تأملتم صبر سيدنا يعقوب عليه السلام لتعجبتم؛ إذ تحولت الكثرة إلى قلة، ولكن داخل قلب سيدنا يعقوب مثاقيل الجبال من الإيمان والصبر، ولو أن هناك شخصا فينا يوجد في قلبه مثقال ذرة من إيمان وصبر لاجتاز كل الهموم.
وما بالكم أحبائي أيضا بسيدنا أيوب عليه السلام، وقلب أيوب عليه السلام وقد اشتد عليه الألم واشتد عليه النزع وتكاثرت عليه الهموم، ومع كل ذلك لا يرى الدنيا سوداء كما نفعل نحن، ولكنه يرى في الظلمة نورا، ويرى في الشدة يسرا، ويرى في العتمة نورا؛ فهو مثال على عدم الشكوى للخلق، فقال الله تعالى واصفا حال سيدنا يعقوب عندما بث شكواه إلى رب العالمين: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 86]، والبث هو تفرق المشاعر، فهو لا يشكو إلا لله عز وجل، وهكذا يجب أن يكون الإنسان، ولهذا يجب علينا الصبر دوما.
كذلك يجب علينا بعد أن نُنْزِلَ الشدة التي نحن فيها إلى الله عز وجل وبعد أن نصبر، يجب علينا ألا نيأس من روح الله عز وجل، قال تعالى:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}[يُوسُف: 87]، فما كان هناك مرض قاتل أشد عليك أيها الإنسان أكثر من اليأس؛ إنه أشد الأمراض التي تفتك بالإنسان هو وبعض الأمراض الأخرى مثل الخوف فهو مرض قاتل، ومثل الهم والغم فهما قاتلان! ولذا يجب عليكم ألا تيأسوا من روح الله عز وجل؛ فالشاب الذي ليس عنده رغبة في العمل وينام طيلة النهار فهذا الشاب عنده ياس قاتل، وآخر يجلس على القهوة أغلب وقته فهذا يأس قاتل، والإنسان صاحب اليأس إنسان مهموم، وإنسان شارد، ومن هنا تكثر في المجتمعات شرب المخدرات وفساد المجتمعات، والعياذ بالله؛ فكل تلك الأشياء بدايتها هو اليأس وحالة الشعور بالفشل التي يشعر بها الإنسان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.