مفهوم لا إكراه في الدين: الإسلام لا يجبر الشخص على الدخول فيه قال الله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ [البقرة: 256]. إن دعوة الإسلام إلى المسامحة شيء معروف لكنه ليس ذلًا ولا تنازلًا عن شيء من الدين، والكفار لا يُعاملون في الشريعة معاملة واحدة، لأنها قائمة على العدل، فهم أنواع، فمنهم كفار محاربون وكفار مسالمون، فالكفار المحاربون لا يجوز أن يُفعل لهم معروف، ولا نوع من البر، ولا الصلة، ما داموا قائمين بالحرب، ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 9]. إذن هؤلاء لا يمكن عمل المعروف معهم، ما داموا قد حملوا السلاح على المسلمين، يريدون أن يطفئوا نور الله، وكفار آخرون مسالمون، يقولون للمسلمين هذه بلادنا ادخلوها وأقيموا فيها دينكم ونحن لا نريد حربًا ولا قتالًا، ولا أن نرفع عليكم سلاحًا، هؤلاء الذين يرغبون في التعامل مع المسلمين على أساس السلم والاحترام المتبادل وأن تكون الهيمنة للإسلام والحكم للإسلام، والشريعة المطبقة في البلد الإسلام لا يجوز الاعتداء عليهم بأي نوع من الاعتداء البتة. وقد دعا القرآن الكريم المسلمين إلى التسامح مع غير المسلمين، فلم يمنع المسلمين من البر بغير المسلمين ما داموا في سلم مع المسلمين وحسن صلة ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الممتحنة: 9]. وأمر الإسلام بالرفق في دعوتهم إلى الدخول في رحابه، وأمر بمناقشتهم بالحسنى ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [النحل: 125]. ويبين أن النبي الكريم مكلف بأن يبلغ الدعوة ويبشر بالإسلام، وليس مكلفًا بأن يحمل الناس عليها بالقوة ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ [البقرة: 256]. وقال سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّـهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّـهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 64]. وأمر الحق سبحانه رسوله الكريم أن يجير المشرك إذا لجأ إليه واحتمى به وهذه سماحة لا ريب فيها، يقول سبحانه: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: 9]. كما حث النبي الكريم على التسامح معهم، وحببه إلى المسلمين بقوله وبفعله فقال: (من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة). رواه أبو داود. وأظهر النبي وحلفاؤه وقواد المسلمين سماحة حقيقية فيما عقدوا من صلح مع البلاد التي فتحوها. رغم أن المنتصر كان من شأنه أن يستبد ويملي شروطًا بدافع الغرور والانتقام، ولكن المسلمين كانوا في معاهداتهم مع المغلوبين كرامًا، فأقروهم على عقائدهم وشعائرهم الدينية وأوصوا برعايتهم والمحافظة عليهم وعلى أموالهم.