من فوائد المحن أنها تؤدى إلى مراجعة النفس ومعرفة مسارها ومن أين أُتيت، فيصحح الإنسان مساره ويقاوم عيوبه فيصبح شخصًا آخر يقر بالحق ولا يعاند بالباطل، فيقر بخطئه ويعترف بذنبه ويتوب إلى ربه، وإن حتى يخشى عليه من العثرات فهو من فرط حبه له، وإشفاقه عليه، يقسو عليه هذا المثل كمثل رجل عند ولده فهو يحبه لكنه يجده يخطئ ويتنكب الطريق، وما زال يتنكب ويلزمه بأمور شديدة حتى يصنع منه رجلًا، قال الشاعر: فَقَسَا لِيَزْدجُرَوا وَمَنْ يَكُ حَازِمًا فَلْيَقْسُ أَحْيَانًا عَلَى مَنْ يَرْحَمُ ومن فوائد المحن: أنها تعرف الإنسان قدر النعمة التي هو فيها، فيشكر الله عليها ويحافظ عليها، إذ النعم مَنسيَّة فإذا فقدت عُرفت، فيجتهد بالحفاظ على النعم بطاعة الله وإتقان العمل، وسد الثغرات وإصلاح النية، قال الشاعر: إذا كنتَ في نعمةٍ فارعَها فإنَّ الذنوب تزيل النعم وصُنها بطاعة ربِّ العباد فربُّ العباد سريع النقم ومن فوائد المحن: أنها تخرج الطاقات الكامنة فتظهر قدرة الإنسان الحقيقية، وتعوده الجد بعد أن تعود الكسل، والنشاط بعد الخمول، والعمل لدين الله بعد أن أخذت الدنيا مجامع قلبه ...، فمن المحن تأتى المنح. ومن فوائد المحن: أنها تعرف الإنسان حقيقة الدنيا، وأنها بين لحظة وأخرى تنقلب على صاحبها، ألا فليعمل لله فهو ضمان الفوز، ولا يشغل نفسه بالرزق والدنيا فهى آتية لا محالة، ولقد صدق القائل: أرى الدُّنيا لمن هي في يديهِ عذابًا كلما كثرت لديه تهين المكرمين لها بصُغر وتكرم كل من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذ ما أنت محتاجٌ إليه ومن فوائد المحن: أنها تكفر الذنوب وتقرب من رب العباد حتى يمشى على الأرض ولا خطيئة له. ومن فوائد المحن: أنها تكسر القلب لله، وتزيل الكبر من النفس فيعود العبد ذليلًا بين يدى الله تعالى، وحينئذٍ يعود القلب قريبًا من الله، بعيدًا عن الشيطان. ومن فوائد المحن: أنها تجعل بين الإنسان وبين الخطأ والزلل حاجزًا نفسيًّا عميقًا، فلا يقع فيه مرة أخرى وتجعله يتخذ بعده سبيلًا يرفعه ولا يخفضه، يعزه ولا يذله. ومن فوائد المحن: أن الإنسان يحب من كان سببًا في تنبيهه من غفلته، فلولا أن الله سخره لبقى التراب على السطح ولظل المعدن مدفونًا في الشوائب، ففي الحديث(( أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَل على أمِّ السَّائبِ أو أمِّ المسيَّبِ وهي تُرفرفُ فقال: ( ما لك يا أمَّ السَّائبِ أو يا أمَّ المسيَّبِ تُرفرفينَ ؟ ) قالت: الحمَّى لا بارَك اللهُ فيها فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تسُبِّي الحمَّى فإنَّها تُذهِبُ خطايا ابنِ آدَمَ كما يُذهِبُ الكِيرُ خبَثَ الحديدِ )). وختامًا، يعجبني دعاء للشيخ الشعراوي ففيه معان طيبة، حيث يقول رحمه الله: ((أحمدك ربي على كل قضائك، وجميع قدرك، حمد الرضا لحكمك لليقين بحكمتك)). والحمد لله أولًا وآخرًا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.