صور التيسير في فرضية الصيام - أن الصيام لم يفرض إلا في شهر واحد من السنة وهو شهر رمضان، لقوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 184] . وهذا تيسير وسعة في زمن هذا الفرض، يستطيع المؤمن أداءه بصورة مقبولة من غير عنت ولا مشقة. - أن وقت الصيام من الفجر إلى غروب الشمس، ولا يجوز الزيادة في هذا الوقت، من أجل ذلك نهي عن صوم الوصال وهو وصل صيام يومين أو ثلاثة متتاليات، لما في ذلك من مشقة وعنت على النفس، وخطورة على الإنسان، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا وصال» رواه أحمد، يعني في الصوم. - من أفطر خطأً أو ناسيًا فإنه يكمل صومه، ولا حرج عليه، فإنما أطعمه الله وسقاه، يقول عليه الصلاة والسلام: «من أكل ناسيا وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه» رواه البخاري ومسلم. - جواز الإفطار عند السفر أو المرض، لقوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]. - أن من لم يستطع الصوم يقضي أو يطعم إن لم يستطع القضاء. وتتضح صور السماحة في الحج من خلال النقاط الآتية: - الاستطاعة في الزاد والراحلة، وأن لا يكون عليه دين أو التزام مالي آخر من حقوق الآخرين، لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97]. - وجوبه في العمر مرة واحدة، لأن فيه المشقة والعناء، فيصعب على المؤمن أن يؤديه كل عام، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: «خطبنا رسول الله فقال: (أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكلَّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» رواه مسلم. - التخيير بين المناسك الثلاثة: التمتع، والقران، والإفراد. - التخيير في الترتيب بين الأعمال الثلاثة يوم العيد، الرمي والحلق والطواف، وهذا فيه تيسير على الحاج الذي يعاني من زحمة الناس والمواصلات والأسفار، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: «قال رجل للنبي زرت قبل أن أرمي، قال: لا حرج. قال آخر: حلقت قبل أن أذبح قال: لا حرج. قال آخر: ذبحت قبل أن أرمي، قال: لا حرج» رواه البخاري. - كل خلل في واجبات الحج من غير قصد يجبر بفدية، وحجه صحيح إذا كان القصور من هذا الوجه فقط. - ومن اليسر والسماحة في هذا الركن المبارك، أن الله - تعالى - جعله سببًا لمغفرة الذنوب والخطايا، وقد وعد الرسول الحاج بالجنة وأنه يرجع كيوم ولدته أمه، وصفحته بيضاء ناصعة خالية من السيئات والذنوب: «من حجّ هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» . ويقول أيضًا: «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» رواهما البخاري ومسلم. وقد جعله الله - تعالى - من الأعمال الفاضلة التي تلي الإيمان بالله والجهاد في سبيله، فقد «سئل النبي أي الأعمال أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: ثم جهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور» رواه البخاري ومسلم. - قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: 145]. وعن عكرمة قال: لولا هذه الآية: ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾، لاتبع المسلمون من العروق ما تتبَّع منه اليهود، وفي ذلك عسر يأباه يُسر الشريعة السمحة فلا جناح في أكل اللحم المذكَّى مع وجود بقايا الدم فيه؛ لأن ذلك معفوٌّ عنه شرعًا. - وفي البيع أجاز الإسلام للمتبايعين الخيار في عدد من المواضع كما إذا كانا في مجلس البيع، رفعا للحرج الذي قد يقع فيه أحدهما، لأنه ربما يحصل ضرر كبير إذا تم هذا العقد، يقول عليه الصلاة والسلام: «إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع» رواه البخاري ومسلم. - ثم إن هذا الدِّين حرم الربا الذي فيه ظلم للناس واستغلال لظروفهم، وسبب في إفشاء الفقر والغنى الفاحشين، وسبب لزرع الأحقاد والضغائن بين أبناء المجتمع الواحد، فحرم الله الربا وأباح القرض الحسن، يقول الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 276]. ويقول جلّ ثناؤه: ﴿وَأَقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ [المزمل: 20]. - كما حرّم هذا الدين احتكار الطعام والسلع، واحتجازها في وقت تشتدّ حاجة الناس إليها، يقول عليه الصلاة والسلام: «لا يحتكر إلا خاطئ» رواه مسلم. ويقول عليه الصلاة والسلام: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم، فإن حقا على الله -تبارك وتعالى- أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة» رواه أحمد. - التيسير على المدين المعسر: وهو مبدأ عظيم جاء به الإسلام، رحمة بحاله وتقديرًا لظروفه القاسية، وهو عنصر قوي من عناصر التكافل الاجتماعي بين أبناء الأمة، حيث يجعل من المجتمع وحدة متينة، قائمة على الحب والوئام، والتعاون والتراحم، وهو تطبيق عملي لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 280]. إن هذا المبدأ المبارك في التيسير على المدين المعسر يفتقده العالم المعاصر في ظل هذا التطور الحضاري الهائل، ومع وجود الجمعيات العالمية الكبرى التي تعنى بشؤون الإنسان وحرياته وحقوقه، وهو وصية الرسول عليه الصلاة والسلام منذ أربعة عشر قرنًا لأصحابه وللأمة من بعدهم في قوله: «من سرّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه» رواه مسلم. ويقول عليه الصلاة والسلام في قصة رجل من الأمم السابقة كان يتجاوز عن المعسرين: «كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعلّ الله أن يتجاوز عنّا فتجاوز الله عنه». رواه البخاري ومسلم. - ومن يسر الشريعة التدرُّج في التشريع والتمهيد له، وتخفيف بعض الأحكام بالنسخ ونحوه؛ كما في تحريم الخمر. - ويظهر يسر الإسلام وسماحته في تطبيق العقوبة على القاتل من خلال النقاط الآتية: - لا يؤخذ أحد بجريرة أحد، أي أنه لا يعاقب إلا القاتل نفسه، وليس لأهله وذويه وقبيلته شأن في فعله وتطبيق العقوبة عليه، بدون تعسف أو تعد، بخلاف ما كانت عليه الجاهلية، حيث كانت تشب حروب وتنتهك أعراض، ويقتل بالرجل أكثر من الواحد، كلها بسبب جريمة قتل وقعت لأحد أفرادهم، لقوله عز وجل: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33].