صلاح الآباء وصلاح الأبناء
من يتأمل قوله سبحانه وتعالى: {وَكَانَ
أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] ويتأمل لطائف المفسرين في هذه الآية يجد سببًا
عظيمًا من أسباب صلاح الأبناء قد نغفل عنه أو نتغافل عنه: يقول ابن كثير -رحمه
الله- في تفسيره لهذه الآية: (فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل
بركة عبادته لهم في الدنيا والأخرى بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في
الجنة لتقرّ عينه بهم. كما جاء في القرآن الكريم ووردت السنة به).
قال سعيد بن
جبير عن ابن عباس: حُفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح.
وقال محمد بن
المنكدر: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات
حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم.
بل ذهب بعض
الصالحين في هذه الآية إلى معنى أدق وأعمق، وخص هذا الصلاح بخلق كان معروفًا به
الأب أو الجد وهو الأمانة، قال سعيد بن جبير -رحمه الله- عن الأب: إنه كان يؤدي
الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظ الله تعالى كنزه حتى أدرك ولداه فاستخرجا
كنزهما.
قد نحرم صلاح
الأبناء بسبب ذنب خفي داومنا عليه أو كسب حرام أصررنا على كسبه، أو عقوق للوالدين؛
فصلاح الأبناء لا يرجع إلى بذل الجهد والمال فقط، إنما هناك أسباب عبادية عظيمة
يقوم بها الأب نفسه، من أهمها: الخوف من الله ومراقبته - سبحانه وتعالى- أو عمل
صالح خفيّ أو بر والدين أو قيام الليل.
ومما يُذكر في
امتداد أثر صلاح الآباء على الأبناء ما يذكره الإمام الغزالي -رحمه الله- في كتابه
إحياء علوم الدين فيقول: رُوي أن الشافعي -رحمه الله- لما مرض مَرَض موته، قال:
مروا فلانًا يغسلني، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل، وقال
ائتوني بوصيته، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم دينًا، فقضاها عنه، وقال:
هذا غسلي إياه، قال أبو سعيد الواعظ: لما قدمت مصر بسنين طلبت منزل ذلك الرجل،
فدلوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده، وزرتهم، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل،
فقلت: بلغ أثر الخير إليهم، وظهرت بركته عليهم.
ومن أجمل من استشعر هذا المعنى سعيد بن المسيب -رحمه
الله- فقال: (إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي)، يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة
الصالحين، فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده.
إن لصلاح الوالدين وأعمالهما الصالحة أثرًا عظيمًا في
صلاح الأبناء ونفعهم في الدنيا، بل وفي الآخرة كذلك، وكذلك الأعمال السيئة
والموبقات التي يقوم بها الآباء والأمهات أثرها سيءٌ على تربية الأبناء.