سمات الأسلوب القرآني [نموذج وتطبيق]

الرئيسية المقالات

سمات الأسلوب القرآني [نموذج وتطبيق]

سمات الأسلوب القرآني [نموذج وتطبيق] من كتاب الأسلوب القرآنى

لفضيلة الاستاذ الدكتور /أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الاسلامى

الناظر في القرآن الكريم يلحظ مدى ما يتسم به القرآن الكريم من سلاسة وسهولة؛ فأسلوبه مُيسَّر للذكر والتلاوة والعبادة، يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [ القمر: 17]، والتيسير بالذكر أي ييسر للجميع بالحفظ والفهم والاستيعاب، ولذا فإنَّ كثيرًا من آيات القرآن بالنسبة للقارئ العادي لا تحتاج إلى تفسير، ومن ذلك مثلا: سورة الفاتحة؛ إذ لا ترى فيها كلمات ليست مألوفة فكلها أسماء الله الحسنى لا صعوبة فيها ولا مشقة، ولو تأملت فيها بداية من البسملة: [بسم الله الرحمن الرحيم]؛ تجدها سلسة ويسيرة، ولا صعوبة فيها. وكذلك قوله: ﴿الحمد لله رب العالمينٍ﴾ [الفاتحة:1]؛ ترى فيها البساطة وسهولة المعنى، وكذلك فإنَّ مخارجَ الحروف قريبة وسهلة في الأداء، وسرعة الفهم لدى المتلقي. ثم يُعيدك القرآن مرة ثانية إلى عذوبة جديدة عندما يذكرك بالأسماء الحسنى، وذلك في قوله تعالى:﴿الرحمن الرحيم﴾ [الفاتحة:2]، وهذا ليس معيبًا؛ لأنَّ البسملةَ في صَدرِ السُّورةِ وفي صدرِ كُلِّ السور، وهي هنا آيةٌ مستقلةٌ في السبع المثاني، وعندما نقرأ قوله تعالى في الآيتين الكريمتين معا:﴿الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم﴾[الفاتحة:1-2]، يبدو لك جليا جمال اللغة، ودقة الأسلوب، والإيقاع الصوتي الجميل الهادئ، خاصة لمن يحررون القرآن تحريرا، ويرتلون القرآن ترتيلا، ومن يقفون على المعاني والأحكام بالتأمل والتدبر بالمعاني الجميلة المتتابعة. وهكذا تعايشنا مع المعاني القرآنية في آيتين فقط رأينا فيهما الدقة والجمال والبراعة، وجزالة الأسلوب، ومتانة الكلمات مع سهولتها، واتضاح مخارجها. فإذا ما طبقنا هذا المنهج على كل آيات القرآن الكريم وعلى باقي سورة الفاتحة، فإننا سنرى عجبا وعجبا لا منتهى له، وقد نحتاج إلى دراسة مستقلة عن الإعجاز في الأسلوب القرآني الفريد المتميز الذي ﴿ لاَ يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾[ فصلت: 42]، ومن وجهة نظرنا فإن كل سورة في القرآن الكريم تحتاج دراسات مستقلة لدراسة عظمة الأسلوب القرآني، ودقة اللغة القرآنية، بعيدا عن التعمق في الجانب التفسيري، وقد تأخذك آية واحدة إلى أن تتعايش معها لسنوات عديدة، مثل قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾[ البقرة:74] التي سيأتي تناولها بعد قليل إن شاء الله. أما إذا وقفت متأملًا - مثلًا - في سورة الرحمن، فإن الأسلوب القرآني بفواصله القرآنية الفريدة تكسر أدمغة الكافرين والملاحدة، وتدهش قلوب المؤمنين المحبين العاقلين، ومن ثم تأخذك روعته إلى جمال لغته وأسلوبه، ولك أن تتأمل ما جاء في سورتي الأعراف والشعراء من قصر الآيات، ودقة البيان، والإعجاز في صدر السور، مثل قوله تعالى: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفاًّ . فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً . فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً﴾[الصافات:3]؛ وهكذا فاللغة القرآنية في سورة الصافات - مثلا – تأتي بسجع غير متكلف، والمعاني المتجددة تضيف إليك جانبا من اليقين في الله رب العالمين، ومن ذلك لو أنك تأملت قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ المُجِيبُونَ. وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكَرْبِ العَظِيمِ ﴾[الصافات،75: 76]؛ فالقارئ لهاتين الآيتين في سورة الصافات يستشعر - وهو يقرأ، أو يستمع للسورة – وابلا طيبًا من المعاني المتجددة، التي لا يقولها إلا الله عز وجل. ثم إن القارئ أو المستمع يقف متعجبا مع آخر السورة التي جمعت وأوجزت كل ما ورد في السورة الكريمة، وذلك حينما نقرأ قوله تعالى:﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغَالِبُونَ﴾ [الصافات،172]؛ مع ملاحظة مدى سرعة الإيقاع، وقوة المعاني، واستخدام كل أساليب التوكيد اللفظي والمعنوي، ثم الجمال الأسلوبي في ختام السورة بالتسبيح والتسليم والحمد في قوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ . وَسَلامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ . وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ [الصافات،182]؛ تلاحظ – سلمك الله - أنَّ التنوع الأسلوبي هنا لا مثيل له من حيث الصياغة اللغوية، وسهولة المخارج، وقوة السبك وجمال النظم، والتحول الأسلوبي من السين إلى حرف الراء فتظهر الدقة في ختام الآيات بقافية واحدة متمثلة في حرف النون، وهي قافية قوية متجددة المعاني، وفي الوقت نفسه فإنها سهلة وليست من عمق الحنك، وهذا يسهل القراءة والحفظ والترداد في ختام المجالس، كما أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم ببركة ختام المجالس بهذه الآيات المباركات الكريمات، ومن ذلك ما ورد عن أبي سعيد الخدري عندما سُئُل: " قلنا لأبي سعيدٍ هل حفظتَ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ شيئًا، قالَ: نعم، كانَ يقولُ: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ". وكذلك ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " كُنَّا نَعْرِفُ انْصِرَافَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: [ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ]. ومنه حديث زيد بن أرقم – رضي الله عنه - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ : سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدِ اكْتَالَ بالمكيال الأَوْفَى مِنَ الأَجْر".

تصفح أيضا

الرحيم

الرحيم

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض