بسم الله الرحمن الرحيم
ذكرنا لكم في دروس سابقة موقفه من الشعراء
المادحين الذين يبحثون عن المال ويبالغون في مدح الحكام، وقد منعهم من الدخول عنده
تماما تماما وكان له حق في هذا لأنهم كانوا يبالغون في وصف الحكام والخلفاء وصفا
يرقى بهم إلى حد الألوهية، لكنه في الوقت نفسه كان يحب الشعر الأصيل.
ودرس اليوم في جزأين الجزء الأول الشعر الذي
يتمثل: يعني ياخد شعر حد قديم وهو يردده أو يكون الشعر من إنتاجه هو من قرضه هو،
فهناخد النهاردة النوعين
النوع الأول: إنه يأخذ شعر من أناس شعراء
قدماء يردده في المناسبات ويذكر به الناس أو يذكر نفسه.
أو أن يكون الشعر من إنتاجه، مثلا كان يتمثل
دائما شعر عبد الله بن الأعلى وواضح إن هو كان محبا لعبد الله بن الأعلى وهذا شاعر
معروف. فكان يذكر نفسه بشعر عبد الله بن الأعلى
أَيَقْظَانُ أَنْتَ الْيَوْمَ أَمْ أَنْتَ
نَائِمُ ... كَيْفَ يُطِيقُ النَّوْمَ حَيْرَانُ هَائِمُ
فَلَوْ كُنْتُ يَقْظَانَ الْغَداةِ لحرقت ...
مَدَامِعَ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعُ السَّوَاجِمُ
نَهَارُكَ يَا مَغْرورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ
... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لَازِمُ
وَتَشْغَلُ فِي مَا سَوْفَ تَكْرَهُ عِبْأَهُ
... كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ الْبَهَائِمُ»
أكرمك الله تعالى،
وكان دائما يتمثل هذين البيتين
أَيَقْظَانُ أَنْتَ الْيَوْمَ أَمْ أَنْتَ
نَائِمُ ... كَيْفَ يُطِيقُ النَّوْمَ حَيْرَانُ هَائِمُ
فَلَوْ كُنْتُ يَقْظَانَ الْغَداةِ لحرقت ...
مَدَامِعَ عَيْنَيْكَ الدُّمُوعُ السَّوَاجِمُ
وكان يتمثل أيضًا قول الشاعر: يتمثل يعني
يعيد يعني وليس من شعره
بَلْ أَصْبَحْتَ فِي النَّوْمِ الطَّوِيلِ
وَقَدْ دَنَتْ ... إِلَيْكَ أُمُورٌ مُفْظِعَاتٌ عَظَائِمُ
نَهَارُكَ يَا مَغْرورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ
... وَلَيْلُكَ نَوْمٌ وَالرَّدَى لَكَ لَازِمُ
يَغُرَّكَ مَا يَفْنَى وَتَشْغَلُ بِالْمُنَى
... كَمَا غُرَّ بِاللَّذَّاتِ فِي النَّوْمِ حَالِمُ
وَتَشْغَلُ فِي مَا سَوْفَ تَكْرَهُ غبه ...
كَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا تَعِيشُ الْبَهَائِمُ».
يا سلام
وكان يتمثل قول الشاعر
ولا خير في عيش امرئ لم يكن له من الله في دار القرار نصيب
فإن تعجب الدنيا أناسا فإنها قليل متاع ، والزوال قريب
يا سلام
وأيضًا كان يتمثل قول الشاعر
ولا خير في عيش امرئ لم يكن له من الله في دار القرار نصيب
وكان يتمثل قول عبد الأعلى القرشي هذه
الأبيات الثلاثة يذكر الإنسان بما سيصير عليه بعد الموت
من كان حيث تصيب الشمس جبهته أو الغبار ويخاف الشين والشعث
يعني الإنسان في الحياة محافظ ونظيف وكذا
وكذا وكذا ويبالغ في إكرام نفسه.
ويألف الظل (دا الإنسان في الحياة) حتى تبقى بشاشته فسوف
يسكن يوما راغما جدثا (الجدث هو القبر) ومنه قوله تعالى (من الأجداث صراعا)
في قعر مظلمة غبراء مكفرة يطيل تحت الثرى في قعرها اللبث (يا
سلام)
يعني بيتكلم عن مستقبل الإنسان بعد الموت
فسوف
يسكن يوما راغما جدثا في قعر
مظلمة غبراء مكفرة يطيل تحت
الثرى (يعني التراب) في قعرها اللبث (يعني الإقامة إلى أن تقوم الساعة)
وأحضر ابن عبد الأعلى بن أبي عمرة، عبد
الأعلى كان شاعرا، قاله ابني يترنم بالشعر، قاله احضره إلي ليلا، فأتى ابنه، فقال
له أسمعني ما تقول:
تجــهــزي بــجــهــاز تــبـلغـيـن بـه يا نفس قبل الردى لم
تخلقي عبثا
وسـابـقـي بـغـتـة الآجـال وانـكمشي قـبـل اللزوم فـلا
مـنجى ولا غوثا
واخـشـي حـوادث صـرف الدهر في مهل واستيقني لا تكوني كالذي بحثا
لا تــأمـنـي فَـجـعَ دهـر مـورط ختل (يعني
في زينة يعني
قـد اسـتـوى عـنـده مـاطابَ أو خَبُثا
يــا رُبَّ ذي أمــل فــيــه عــلى وَجــل
أضـحـى
بـه آمـنـاً أمـسـى وقـد حدثا
مـن كـان حـيـن تُـصـيبُ الشمس جبهتَه
أو الغـبـارُ يـخـاف الشَّينَ والشَّعَثا
ويــألَفُ الظـل كـي تـبـقـى بـشـاشَـتُهُ
فـسـوفَ
يـسـكـن يـومـاً راغـمـا جَـدَثا
فــي قـعـرِ مـوحـشـة غـبـراءَ مُـقـفِـرة
يطيل تحت الثرى في رَمسِها اللِّبثا
فبكى عمر من شعره وظل يبكي وينتحب كما جرت
عادته رضي الله تعالى عنه.
ودخل عليه ابن قتادة بن النعمان، قتادة هذا
الذي سالت عينه يوم أحد سالت تماما انفجرت يعني وأخذ النبي بيده وأخذ ما سال من
عينه وأرجعها فعادت أضواء مما كانت، فدخل ابن قتادة على عمر، فقال له:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه
فردت بكف
المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأحسن حالها
فيا حسن
ما عين ويا طيب ما يد
فقال عمر
دا بقى إنشاء عمر هيرد عليه
لْكَ الْمَكَارِمُ لاَ قَعْبَانِ مِنْ
لَبَنٍ
شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا
بَعْدُ أَبْوَالاَ
الله أكبر
سأعيد البيتين عليكم لابن قتادة بن النعمان
الذي سالت عينيه يوم أحد فردها النبي بيده
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى
أحسن الرد
فعادت كما كانت لأحسن حالها فيا حسن ما عين ويا طيب ما يد
ولما تولى عمر الخلافة كتب إليه رجل من
الشراطي هذه الأبيات:
قُل لِلمُولّى عَلى الإِسلامِ مُؤتَنِفاً وَقَــد يــرى
أَنَّهــُ رَثُّ القُــوى واهِ
إنه راية مَــعــشَــرٌ غَــذَّوهُ
مَـآكـلَةً بِـنَـخـوَةِ
الملك والإسراف وَالباهِ
ينهى الوُلاةَ بِحَدِّ السَيفِ عَن سَرَفٍ كَــفـى بِـذاكَ
لَهُـم مِـن زاجِـرٍ نـاهُ
يعني هي أبيات فيها موعظة أنه يراقب الولاة
والمحافظين وكذا
وإِن قَـصَـدتَ سَـبـيـلَ الحَقِّ يا عُمرا آخـاكَ فـي اللَهِ
أَمثالي وَأَشباهي
وَإِن لَحِـقـتَ بِـقَـومٍ كُـنـتَ واعظهم فـي جَـورِ
سـيـرَتِهِـم فَـالحُـكـمُ لِلَّهِ
يعني بيقوله لا تتبع سير الذين سبقولك لا
تمشي على نهج سليمان بن عبد الملك ولا الوليد بن عبد الملك ولا غيرهما فإنهم ليسوا
كراما أما أنت فحالك عظيم مع الله سبحانه وتعالى:
فرد عليه عمر: الأبيات التي استمعتم إليها
أبيات شديدة فعمر بقى رد عليه هذا عمر الشاعر
يا أيها الرجل المهدي نصيحته إن المحاسن والتوفيق
بالله
إن كان أمر من السلطان تنكره فما عرى الدين
والإسلام بالواه
يا سلام!
يعني هو بيقوله قبل كدة إن الحكام اللي قبل
كدة ضيعوا الإسلام قاله الإسلام ماله؟ ضيعوا أنفسهم.
هذا الكتاب (القرآن) كتاب الله نقرأه نصدق
الوحي فينا آمر ناهي
فقد يزل الذي يبغي الهدى رهقا عند الشريعة وهو العالم الداهي
يعني ممكن أن حد يغلط لأننا بشر ولسنا ملائكة
الراجل اسمه عمرو
بيقوله:
الملك يا عمرو ملك الله خالقنا
والحكم يا عمرو مردود إلى الله
الله
الله أكبر
دا كلام من واحد عدو عمرو دا عدو باعت له
كلام صعب جدا بيستنفره فرد عليه عمر بكلام لين عمرو هذا كان منشقا على دولة بني
أمية فلما رد عليه عمر بشعر طيب كما استمعتم أتى وبايع عمر بن عبد العزيز ولم ينشق
عليه.
وأتى رجل فقال لعمر بن عبد العزيز
تفرغ لنا (يعني سيب بقى العبادة وتفرغ للناس)
فقال:
لقد جاء شغل شاغل وعدلت عن طريق السلامة
ذهب الفراغ فلا فراغ لنا إلى
يوم القيامة
يا سلام! أين الفراغ؟ مفيش فراغ.بيقوله تفرغ
لنا قال له ليس عندي فراغ (هذا الشعر شعر عمر) حياتي كلها حياة طاعة.
وكان عمر يقول:
ومن الناس من يعيش شقيا جيفة
الليل غافل اليقظة
فإذا كان ذا حياء ودين راقب الله واتق الحفظة
إنما الناس راحل ومقيم فالذي صار للمقيم عظة
اسمحوا لي أن أعيد الأبيات مرة ثانية فإنها
جميلة
ومن الناس من يعيش شقيا جيفة
الليل غافل اليقظة
فإذا كان ذا حياء ودين راقب الله واتق الحفظة
إنما الناس راحل ومقيم فالذي صار للمقيم عظة
الله أكبر،
ومعي أشعار كثيرة له، وكان يعظ نفسه بالشعر
ويعظ غيره بالشعر
وكان يقول لنفسه
حتى متى لا تنتهي وإلى متى وإلى متى
من بعد ما سميت كهلا واستلبت اسم الفتى
الكهل اللي هو عدى 40 و45 وكذا والفتى يعني
الشباب.
لا يغرنك عشاء ساكن قد يوافي بالمنيات
السحر
يا سلام!
يعني الواحد ميتغرش إن أول الليل عنده صحة
وعنده عافية قد يموت في سحر نفس الليلة.
لا يغرنك عشاء ساكن قد يوافي بالمنيات
السحر
وكان يقول أيضًا
لولا التقى ثم النهى (يعني العقل ، أولو
النهى يعني أولو العقل) خشية الردى (يعني الموت)
لعصيت في حب الصبي كل زاجر قضى ما قضى فيما مضى
ثم لا يرى له سبوة أخرى الليالي الغابرة
يعني بيتكلم عن سرعة الأيام وسرعة مرورها.
وكان يتمثل قول الشاعر:
أنا عائد بالله من شهر نعمة
تقر بها عيناي فيها ردهما
يعني كل نعمة لازم الإنسان يشكر ويشكر ويشكر
وكان يتمثل قول الشعبي
هب الدنيا (تصور يعني) تزف إليك زفا زفاف عرائس باكرن قذفا
وقد ملكتها شرقا وغربا حويت بجمعها برا وطفا
يجئن بألف الف كل يوم ويتبع ألفها سبعين ألفا
بيتكلم عن نعيم الدنيا اللي بيفتح لناس
إذا عاديت قوما في بلاد أتيت على جميع الناس عزفا
ألست ملاقيا لا شك فيه وإن عمرت طول الدهر حدفا
فما ترجو بدار قد تراها بكل سرورها أبدا تكفى
يعني الدنيا متاع ومتاعها ينتهي بما علمتم
فكان بيذكر الناس بالموت ويقول:
أنا ميت وعز من لا يموت قد تيقنت أنني سأموت
ليس ملك يزيله الموت ملكا إنما الملك ملك من لا يموت
الله
مرة ثانية
أنا ميت وعز من لا يموت قد تيقنت أنني سأموت
ليس ملك يزيله الموت ملكا إنما الملك ملك من لا يموت
وعندما مات مخلد بن يزيد بن المهلب صلى عمر
عليه وقال:
مات اليوم فتى العرب وأخذ يقول لما مات مخلد
بن يزيد
على مثل عمرو تهلك النفس حسرة
وتضحى وجوه القوم مسودة غبرة
مرة ثانية
على مثل عمرو تهلك النفس حسرة
وتضحى وجوه القوم مسودة غبرة
ثم قال
بكوا حذيفة لن تبكوا مثله حتى تبيد قبائل لم تخلق
يا سلام
وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يتمثل
هذه الأبيات
الحلم والعلم خلتا (يعني خلتان يعني) كرم
للمرء زين إذا هما اجتمعا
صنوان لا يستتم حسنهما إلا بجمع لذا وذاك معا
كم من وضيع سما به العلم والحلم فحاز الثناء وارتفع
ومن رفيع البنا أضاعهما أخمله ما أضاع فاتضع
يعني بيذكرنا أن الأخلاق الطيبة الكريمة هي
الباقية للإنسان وكان يذكر بالموت فيقول هو نفسه
ألم تر أن الموت أدرك من مضى فلم ينجو منه ذو جناح ولا ظفر
وكان يقول
فما تزود مما كان يجمعه إلا حنوطا غداة البين مع خرق
وغير نفخة أعواد تشب له وقل ذلك من زاد لمنطلق
مرة ثانية
فما تزود مما كان يجمعه (يعني الواحد بيطلع
من الدنيا بياخد الحانوط يعني الكفن) إلا
حنوطا غداة البين مع خرق (غداة البين يعني ساعة الفراق)
وغير نفخة أعواد تشب له (يعني وهما بيغسلوه
بيشغلوا البخور يعني) (وبعد هذا لا شيء) وقل ذلك من زاد لمنطلق (يعني دا حظ الإنسان من الدنيا.
ألم تر أن الموت أدرك من مضى فلم ينجو منه ذو جناح ولا ظفر
أيها المشاهدون الكرام:
الشهر الذي قدمته لكم الآن هو شعر من باب
الاعتبار ولم يكن شعر الزهد قد زهر، نحن الآن في دولة بني أمية، شعر الزهد سيظهر
في الدولة العباسية مع ترف الحياة والبغددة في بغداد أيام جعفر المنصور ومن أتى
بعده بدأت الدنيا تزحف على الناس مرة ثانية فظهر شعر الزهد أبا العتاهية وغيره
الذين علموا الدنيا كلها الشعر الذي يجعل القلب رقيقا ويجعل العينين باكيتين من
خشية الله.
يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل
يبدأ بقى يقول على هذا المنوال الذي سار عليه
شعراء الزهد
أما عمر بن عبد العزيز فلم يكن شاعرا بمعنى
الشعر، وإنما كان كما رأيتم بيأتي بعض الأشعار التي يذكر بها الناس أو التي تعلق
بها من شعر غيره يذكر نفسه
أيقظان أنت اليوم؟ أم أنت نائم؟
وكيف يطيق النوم حيران هائم؟
يا سلام، أبيات منعشة ومقوية وحافزة
للإنسان على سرعة العودة إلى الله سبحانه
وتعالى.
ولا خير في عيش امرئ لم يكن له مع الله في دار القرار نصيب
يعني الحياة إذا لم يكن فيها إيمان وتقوى فلا
خير فيها.
وهناك أبيات
ثلاثة تأثر بهم عمر بن عبد العزيز وكلنا تأثر بهذه الأبيات الثلاثة بيتكلم
عن الإنسان والرغدة والنعيم الذي يعيشه قبل الموت ثم حال الإنسان بعد أن يدركه
الموت.
من كان حيث تصيب الشمس جبهته أو الغبار ويخاف الشين والشعث
ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسكن يوم راغما
جدثا
في قعر مظلم غبراء مكفرة يطيل تحت الثرى في
قعره اللبث
وهكذا نتعلم أن الشعر إذا كان لغرض الاعتبار
فإنه يبقى أصيلا في قلب الإنسان وفي نفس الإنسان خاصة ما يذكره بالله رب العالمين.
"إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ
رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58)
وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا
آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ
رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ
وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون