بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم معنا موضوع جميل وجديد وهو مفاهيم وأخلاق جديدة
أيها المسلمون الذي حدث في الحياة العمرية لم يحدث في تاريخ الإسلام إلا في عهد سيدنا عمر الفاروق مع وجود عناصر ومفاهيم لم تكون موجودة في عهد سيدنا عمر الفاروق وجدت في عهد سيدنا الخليفة الراشد فكان يعطي لها اهتماما فريدا وجميلا
لكن المحرك الأساسي في الشخصية العمرية هو خشيته لله عز وجل سنأخذ مشهدا سريعا في هذا العمار الإيماني وهذا القلب الحاضر على مدي أربع وعشرين ساعة
فاطمة بنت عبد الملك رضي الله عنها زوجته تحكي لنا مشهدا من مشاهد عمر بن عبد العزيز
قالت كان يجلس بين الناس حتى يقضي حاجات الناس حتى لو وصل الليل بالنهار صائما لا يكاد يأكل فإذا ما فرغ من حاجات الناس فإنه يأوي إلي مصلاه فيصلي ركعتين عظمتين يطيل فيهما
ثم يأتي بالسراج ويبدأ في استكمال ما لم يستكمله بالنهار ثم يبكي بكاء شديد حتى نظن أنه سيموت الآن بكاء دون مناسبة لم يغضبه أحد ولم يحتك به أحد
فقالت له زوجته ذات مرة ماذا بك يا أمير المؤمنين لأنه يظل يبكي إلي الفجر أي يظل يبكي من قيام الليل إلى صلاة الفجر
فقال إني وليت هذا الأمر وفي الأمة الفقير الجائع والأرملة المسكينة والمسكين الطاوي والأسير والمديون والغارم وكذا وظل يعدد أصناف الفقراء
وإن الله تعالي سائلني عنهم يوم القيامة ولا أحب أن يكون الله تعالي حجيجي يوم القيامة أو أن يكون الرسول صلي الله عليه وسلم حجيجي يوم القيامة
ويواصل البكاء حتى يأتي الفجر ولم يأكل شيء ويصبح صائما
لقد أردت أن أصدر الدرس اليوم بهذا المشهد لعلة أنه لا يغير في واقع الناس إلا من غير في نفسه
يعني أنه من ولي الامارة أو ولي الحكم وهو على قديمة على جاهليته على عصبيته لم يغير من نفسه شيء
فلا يستطيع أن يغير من نظام الناس شيء أو من نظام الحكم شيء ولم لا والناس على دين ملكهم
مؤكد أن هناك أشياء خاطئة كثير جدا جدا عدلها عمر بن عبد العزيز مثال المشهد الآتي ذهبت امرأة من العراق إلى الشاب حيث كانت الخلافة (دمشق)
فسألت عن بيت أمير المؤمنين فدلوها عليه فقالت هل عليه حاجب (أي حارس يدخل الناس ويخرجهم )
فقالوا لا ليس على بيته حاجب فدخلت إذا بفاطمة بنت عبد الملك زوجته جالسه تغزل القطن زوجة الأمير
وفاطمة بنت عبد الملك كان أبوها أمير وزوجها أمير وأخواها أميران ومع ذلك كانت امرأة عامله
فدخلت المرأة العراقية فجلست فنظرت في البيت فقال هذا هو البيت الذي سيغنيني فكانت تنظر لبيت سيدنا عمر باحتقار
فقالت لها فاطمة كلمة جميلة ما أفقر هذا البيت إلا أن أمير المؤمنين يسعد الأمة كلها وأمير المؤمنين يتقشف
ويزهد في أمور الدنيا فجلست معها فدخل رجل في زاوية البيت فشرب من بئر صغير موجود في البيت وظل ينظر إلى فاطمة بنت عبد الملك نظرا شديد فقالت العراقية
ماذا يفعل هذا الطيان فقالت لها هو أمير المؤمنين لأنه كان يرتدي ملابس عاديه لأن من كان قبله كان يرتدي الياقوت والذهب
أما هو فتخلص من كل هذا ووضعه في بيت المال غير شكل الدولة وشكل الإسلام فقالت له أنا امرأه عراقية عندي خمس بنات أكلهم الجوع واشتد الفقر عليهم
ولا أقدر أن أعينهم على الحياة فجئت إليك مستجيرة بك فقد بلغ بهم الفقر مبلغا شديدا فقال عمر سم لي أسماءهم وأحضر ورقة وقلم فكتب إلى أمير العراق أن اسم الابنة الأولى كذا واسم الثانية كذا
وظل يعددهم حتى الخامسة وظل بخط يده يكتب حتى أغني الخمسة وحولهم من فقراء الي أغنياء في لحظة واحدة فأفاء الله عليها بالكرم لأنه رجل يريد أن يستر عورات المسلمين
ومن كان ساترا للناس ستر الله عليه ولعلنا في الدرس قبل الماضي وجدنا موقفه مع ابنته أمينة
التي كان لبسها رقيقا لشدة فقرها وتستحي ان يراها أبوها بهذه الملابس الرثة
أيها المسلمون ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما أذاب الطبقات بين المجتمع حتى في المساجد كان الناس في البلاد الإسلامية يتركون الصف الأول للأشراف أي الحكام
وكان ممنوعا أن يقف أي شخص في الصف الأول فلما صعد المنبر في أول خطبة له قال لما تركتم الصف الأول فقال الناس تركناه للأشراف
فقال الأشراف عند الله (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) تقدموا فتقدم الناس فلغى الطبقية في المساجد وفي الأماكن بحيث لا يوجد أحد متميزا عن احد وهذا انطلاق لقوله تعالي (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
فلغي تماما ما كان يعرف بالأشراف فقال شرف المؤمن عند الله ليس بحسبه ولا بنسبه وإنما بتقواه مما فعله عمر بن عبد العزيز من مفاهيم جديدة أنه كان يرسل إلى الأمراء ويأمرهم بخمسة أشياء جديدة لم تحدث إلا في عهده ولا حتى في عهد سيدنا عمر الكبير
أولا يتم سداد الدين عن كل غارم وغارمه من بيت مال المسلمين ما دام هذا الغرم في حاجته أي أنه إذا كان أحد مديونا لزواج ابنته لأنه مريض فهذا النوع من الديون الدولة مكلفة به
الأمر الثاني الإعفاف إذا وجدتم شابا فقيرا وبنت فقيرة لا تقدر على الزواج وجب علينا إعفافها وتزويجها من بيت المال هذه أيضا جديدة لم يعرف بها أحد من قبل
الأمر الثالث من كان له مسكن متهالك ولم يقدر على بنائه فألزم الأمراء بأن يستروا على الناس وذكرنا قصة فرتونة مولاة ذي الأصبح في مصر التى أرسلت الخطاب له وشرحناه في الدرس السابق أيوب بن شرحبيل
الأمر الرابع ألزم الأمراء بأمر جديد مهم جدا وهو إلباس الفقراء وكسوة الفقراء خاصا في المناسبات يعني أنه على الأمراء إلباس الفقراء في الأعياد لباسا جديدا وهذا أيضا جديد في تاريخ الإسلام
الأمر الخامس المهم أنه ألزم الدولة وهو قائدها بدفع مرتبات لكل ذمي غير قادر على الإنفاق على نفسه خاصة لو كان كبيرا في السن أسقط الجزية عن كثير من هؤلاء
والثمرة الطيبة أن معظم هؤلاء دخلوا في الإسلام حتى عظم الإسلام وكبر الإسلام في عهده وحتى أتي ملوك الهند لما عرفوا بعدله وسمعوا بتقواه أتى ملوك الهند فدخلوا في الإسلام
من المفاهيم الجديدة والأخلاق الجديدة التي فعلها عمر بن عبد العزيز الاهتمام بالأسرى
لما تولى الخلافة كان هناك أسرى من المسلمين عند الروم ولم يستطع الخليفة قبله سليمان بن عبد الملك أن يفعل شيئا في هذه القضية
فأرسل إلى الأسرى خمس دنانير لكل واحد منهم فقال هذا المبلغ القليل أرسلته لكم مخافة أن يطمع فيه الروم وأعلمكم أن كل أهليكم وكل ذويكم
فأنا مسؤول عنه أمام الله تعالي وأعطي لهم مرتبات كما لو كنتم موجودين معهم بل أبالغ في إكرامهم
وذكرت لكم قصة الأسرى في الجيش الذي ذهب إلى القسطنطينية وكان قائد الجيش مسلمة بن عبد الملك بن مروان وهذه قصة طويلة قد نشرحها مرة ثانية إن شاء الله
من الأخلاق الجديدة التي فعلها عمر بن عبد العزيز ولم تكن موجودة قبله ولم توجد بعده أنه من أيام الحجاج بن يوسف الثقفي أنهم فرضوا إتاوة على كل من يدخل الإسلام
أي من يريد الدخول في الإسلام بدل من أن نساعده كان يفرض عليه ضريبة قوية مما جعل الناس يقلون عن الدخول في الإسلام ومما جعل بيت المال يكتظ بالمال
ممن دخلوا في الإسلام فلما تولي عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أصدر أمرا بإسقاط هذه الإتاوة تماما عن كل من أراد الإسلام
بل جعل راتبا لكل ذميا يدخل في الإسلام لا يقدر على المعيشة فأصبحت الدولة مكفولة به
وزد على هذا أن يزيد بن عبد الملك لما تولى الخلافة بعده أرجع هذه الضريبة مرة ثانية
فأرسل إليه الأمير فقال له الأمير أن هذه الضريبة أسقطها عمر بن عبد العزيز فرد عليه يزيد فقال له خذ منهم الضريبة حتى لو كانوا حرضا وكلمة حرض بمعنى هالكين أو مرضى جائعين
(إلا أن تكون حرضا أو تكون من الهالكين) إلى هذا الحد تتغير ثقافة الناس وتعاملات الناس مما جعل الناس بعد عمر بن عبد العزيز يبتعدون عن الإسلام ابتعادا عظيما جدا جدا
فالظلم مهما كان ظلما لن يدوم مما جعل دولة بني أمية تسقط تماما مع كثرة مالها لكن المال لم يحمهم وإنما الظلم هو الذي يعجل بذهاب الدول كما يقول ابن خلدون في المقدمة
من الأخلاق الجديدة الجميلة التي فعلها عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أرسل العلماء الكبار إلى البلاد المفتوحة لكي ينشروا الفقه الصحيح وجعل لهم مرتبات عظيمة
لم يسمع الناس عنها من قبل وهذا إكرام للعلم والعلماء مما جعل الإسلام ينتشر ويزداد نوره في هذه الدول وعظم فيها الإسلام مع كثرة العلماء الذين يحملون نور الله تعالى إلى كل مكان
إذا كان الخليفة عادلا فلا بد أن يكون الناس على شريعته وقد شاهد الناس منه آيات بينات في العدل لم يشهدوها ولم يسمعوا عنها من قبل
حتى أنه تمنى أن يأكل العنب وحاول أن يستلف من زوجته التي كانت غنية جدا وأبوها خليفة فلم يجد معها درهمين كي يشتري عنبا فأرسل له أمير فلسطين بلحا وعنبا عندما سمع بهذه القصة
فلم يقترب منهما وقال لمزاحم مستشاره بع هذا البلح الأردني وبع هذا العنب الفلسطيني واجعله في بيت المال ولعل هذا الكلام كان موجودا بصدق في حياة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
إذا أردت أن تأمر الناس بشيء فلا بد أن تطبقه على نفسك أولا وهذا ما كان يفعله عمر الكبير وعمر الراشد
في حياة عمر الكبير شاهد عمر في عام الرمادة أي في العام الذي ألصقت يد الناس بالرمد فليس عندهم كسرة خبز فشاهد أحد أولاده يحمل كتفا من اللحوم يذهب به إلى بيته
فنادى عليه عمر من أين هذا فقال تجارتي يا أبي فقال أكل الناس يأكلون مثلك قال له لا قال إذا لا تأكل منه شيئا حتى يأكل منه كل فقراء المسلمين فأخذه ووزعه تماما على كل المسلمين ولم يبق لنفسه شيئا ولعلي ذكرت لك قصة الخاتم الذي كان عند ابنه عندما كان أميرا على المدينة فعلم أن ابنه اشترى فصا من خاتم بألف درهم فأرسل إليه أبوه رسالة تذكره بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وقال له إذا جاء كتابي إليك فبع هذا الفص بألف درهم وتصدق بها على ألف مسكين واكتب على هذا الفص رحم الله امرأ عرف قدر نفسه
من الأخلاق الجديدة التي فعلها عمر بن عبد العزيز ولم تكن موجودة قبله أنه كان يعطي للناس مالا لعمل مشروعات ولا يكلفهم برد المال إلى بيت المال وإنما يكلفهم بدفع الزكاة عنها عندما يفتح الله عليهم
وكانت النتيجة أن اكتفت الدولة الإسلامية في عهده بكل أنواع المزروعات والفواكه
وفاض الخير على بيت المال حتى لا ترى لا فقيرا ولا جائعا ولا مسكينا في أمة الإسلام كما تنبأ النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم لئن طال بك الزمان فإنه سيخرج الرجل بماله يريد أن يتصدق به فيدور على بيوت الناس فلا يرى فقيرا حتى يعود بالمال إلى بيته مرة ثانية
معناه أنه استطاع تماما أن يتغلب على الفقر وفي الوقت نفسه زاد الخير في بيت المال وسعد الناس في خلافته لأنه جعل أمورا اقتصادية عظيمة لم توجد إلا في عهده
ونذكر من هذا مثلا أن كل الأمراء كانوا يأخذون إقطاعات من بيت المال بالخمسين ألف دينار شهريا لكونهم أشرافا فمنع هذا عنهم وحاولوا قلب نظام الحكم
ولكنهم لم يستطيعوا ما دام الحاكم قويا ومتمسكا بالله سبحانه وتعالى فإن معه جنودا من الله عز وجل فلم ينالوا منه شيئا فأرسلوا إليه عمته فاطمة بنت مروان لتسأله الحنان وأن يرضى عن بني أمية وأن يعيد إليهم أعطياتهم
فقال بصوت جهوري إن الله سائلني عنها يوم القيامة فخرجت ترتعد من بين يديه رضي الله عنه
ولا زال في جعبتي الكثير حول المفاهيم الجديدة والأخلاق الجديدة التي عمت الإسلام وأرض الإسلام
كنت أقول دائما ماذا لو عمر عمر طويلا؟
وهذه بعض مراجع تحكى بعض جوانب حياته من مراجع كثيرة تعد بالمئات مع أنه عاش سنتين فقط في الخلافة فماذا لو عاش ثلاثين سنة أو أربعين سنة
لمن نوجه التحية اليوم؟
التحية إليك يا رسول الله أنت الذي علمت الأمة أنت الذي أدبت الأمة أنت الذي خلق الأمة بأخلاق الإسلام
{إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} المؤمنون