حَصّنوا
بيوتكم من كيد الشيطان بالثقة والمودة والرحمة
الشيطان حريص على إفساد العلاقة بين الزوجين، وهدم
كيان الأسرة، لا سيما إن كانت أسرة مسلمة تنعم بنور الإيمان. روى مسلم فى صحيحه (إن
إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم
فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرقت
بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت).
فما العمل إذا كان الشيطان يتربص بك وبأسرتك، ليزرع
الشك فى قلبك، أو ليذهب هذه المودة والسكينة التى تعم البيوت التقية المؤمنة، ليهدم
هذه البيوت.
أول واجب على الزوجين هو الحرص على سد كل منفذ
من منافذ الشيطان إلى زعزعة الثقة بينهما، والبحث عن العلاج الإيمانى الذى يعالج ما
قد يطرأ من ذلك حتى يتم دحر الشيطان وكيده وزرع الإيمان فى البيوت.
ومن المشكلات التى تواجه الأسرة، وتتسبب فى متاعب
كثيرة، ضعف أو فقدان الثقة بين الزوجين، فالمرأة إذا ضعفت ثقتها فى زوجها، تبادر إلى
ذهنها أن فى حياته امرأة أخرى، فتقيس كل تصرفاته وانفعالاته وفق نظرتها، وتتحول حياتها
إلى عذاب. وإذا فقد الزوج الثقة فى زوجته، أحال حياتها إلى عذاب وحياته أيضًا.
فمن الأزواج من يراقب زوجته فى كل وقت، ويفتش فى
أحوالها وخصوصياتها، وربما يفاجئها فى أوقات لا تعتادها منه، والسبب هو فقدان الثقة
بين الزوجين.
أعرف أن إحدى الصالحات المؤمنات استأذنت زوجها
للذهاب إلى حلقة قرآن، لكنها ذهبت إلى مسجد آخر غير المعتاد مع إحدى رفيقاتها الصالحات،
لكن الزوج كانت ثقته مهتزة فى هذه الزوجة الصالحة فذهب وراءها لييتيقن أين ذهبت، فذهب
إلى المسجد المعهود أنها تذهب إليه فلم يجدها، فزادت شكوكه وانتظرها حتى عادت، وتحول
المنزل إلى عراك ونزاع وتشكيك حتى علم فيما بعد بالقصة، وأنها من الصالحات العابدات
بعد أن صنع جرحًا فى بيته المسلم الذى يقوم على دعائم الإيمان.
لو التزم الزوج، والتزمت الزوجة بالصدق والمصارحة
تنفيذًا لأمر الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا
مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، لتبخرت المشكلات من البيوت، ولحل مكانها نور الإيمان،
وحلاوة الرحمة والمودة.
وفى واقعنا قصص ومواقف، لمشكلات نشأت من غياب الصدق
والتفريط فى حبل الحب والمودة بين الزوجين:
يقول أحد الأزواج: بعد ثمانى سنوات من الزواج اكتشفت
أن زوجتى تتلصص على أوراقى ومستنداتي، وفى أحد النزاعات طالبتنى بأن أسجّل أرضًا اشتريتها
باسمها حتى لا يكون لأهلى من بعدى فيها نصيب، لأن ذريتى كلها بنات، فأدركت أنها تقرأ
أوراقى ومستنداتي، وصرت أحتفظ بها فى المكتب، المشكلة أننى فقدت الشعور بالثقة والسكن
الذى كان من قبل، وما زال بداخلى صدمة لكننى كتمت الأمر ولم أخبر به الآخرين.
وقالت زوجة: أنا امرأة عاملة، انشغلت بتربية الأبناء
والبيت والطلبات، تنبهت لزوجى وقد تغير، بحثت وعرفت أن السبب هو السكرتيرة، فهى صغيرة
وتراه رجلًا له وضع اجتماعي، تريد أن تبدأ السلم من حيث انتهيت أنا بعد كفاح، زدت من
اهتمامى به، أقنعته بأن يتزوج بامرأة أخرى متدينة؟ وذلك فى هدوء وصبر بتلميحات فقط،
لكن الثقة اهتزت.
فهل هذه هى أخلاقيات البيوت المسلمة؟
إن أخلاق البيوت المسلمة كما علمنا إياها السلف
الصالح، لها ضوابط وآداب منها:
- الالتزام
بالضوابط والآداب الشرعية فى الكلام والحديث؛ باجتناب السخرية، والإهانة والتحقير،
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى
أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا
مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ
الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
[الحجرات: 11].
2- عدم
الطعن بدور كل من الزوجين؛ بالحديث عن عدم صلاحية كل منهما فى مسؤوليته.
3- عدم
بخس حق الآخر، قال تعالى: {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الأعراف:
85]، فالمصارحة هى تشجيع على المسؤولية ومدح الأعمال ليستمر العطاء.
4- المشاركة
فى اتخاذ القرارات والتزام الشورى فى الأمور المصيرية والقضايا الكبرى فى الحياة الزوجية،
قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: 38] كتغير مقر السكن، والترحل
والهجرة، وتعليم الأولاد، ونحوها.
5- المصارحة
بما لا يضر الآخر، أو يجرح مشاعره.
6- عدم
الوصول إلى درجة التجسس؛ فالاطلاع على أسرار الزوجة سواء خطاباتها أو حقيبتها الخاصة
أو جيوب ملابسها أو مكالماتها التليفونية عمل غير أخلاقي.
إذا توفرت الثقة بين الزوجين، فإن ذلك يكفى بالنسبة
إليهما تحقيق الأمن والأمان فى الحياة الزوجية، وخاصة الثقة فى الزوج فى قراراته وتصرفاته
وحكمته، لأنه هو ربان السفينة والقائد للحياة الزوجية، فإن الشعور العام فى الأسرة
سيكون الشعور بالأمان والأمن وهو من الحاجات النفسية الضرورية، لكى يسعد الإنسان فى
حياته وينعم.
والثقة
ترافق الحب فى البيت المسلم الإيماني، وتورق فى جو من المودة بين الزوج وزوجته، وعندما
تحدث الله سبحانه وتعالى عن الأسرة، جعل الحب أساسا لكلامه: قال تعالى: {وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا
وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] والمودة هى الحب، وقد جعل سبحانه
الرحمة بعد المودة، لأنه إذا غابت المودة فيرحم الزوج زوجته، وترحم الزوجة زوجها فلن
يكون هناك الحب، إذا عادت المودة فسيعود الحب وحسن المعاملة بين الزوجين هى الطريق
الوحيد لاستعادة الحب أما القسوة والغلظة والقهر فهى التى تقطع الطريق أمام عودة الحب.
ويبقى هنا سؤال وهو كيف نبنى الثقة؟
يكون الشعور بالثقة بين الأزواج عندما:
1. لا يخفى أحدهما عن الآخر شيئًا من أموره، ويحاول
الأخذ بآراء الطرف الثانى ومناقشته.
2. عندما يتجنب الزوجان المشاحنات ويتناقشان بهدوء.
3. الاهتمامات المشتركة بين الزوجين تزيد من الثقة
بينهما.
4. المصارحة، فالصراحة بين الزوجين تؤدى إلى الثقة
بينهما.
5. عدم الكذب فالصدق هو أساس الثقة.
6. اهتمام كل طرف بمشاعر الطرف الآخر.
ولنا فى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسوة
وقدوة، فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يحمل عاطفة الحب والوفاء والثقة للسيدة خديجة
رضى الله عنها حتى بعد موتها: قَالَتْ عَائِشَةُ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا
وَاسْتِغْفَارٍ فَذَكَرَهَا ذَاتَ يَوْمٍ فَاحْتَمَلَتْنِى الْغَيْرَةُ، فَقُلْتُ:
لَقَدْ عَوَّضَكَ اللَّهُ مِنْ كَبِيرَةِ السِّنِّ. قَالَتْ: فَرَأَيْتُ النَّبِى غَضِبَ
غَضَبًا شَدِيدًا وَسَقَطْتُ فِى جِلْدِى فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ أَذْهَبْتَ
غَضَبَ رَسُولِكَ عَنِّى لَمْ أَعُدْ لِذِكْرِهَا بِسُوءٍ مَا بَقِيتُ. قَالَتْ: فَلَمَّا
رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَقِيتُ قَالَ: (كَيْفَ
قُلْتِ، وَاللَّهِ لَقَدْ آمَنَتْ بِى إِذْ كَفَرَ بِى النَّاسُ، وَآوَتْنِى إِذْ رَفَضَنِى
النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِى إِذْ كَذَّبَنِى النَّاسُ، وَرُزِقَتْ مِنِّى الْوَلَدُ حَيْثُ
حُرِمْتُمُوهُ) قَالَتْ: فَغَدَا وَرَاحَ عَلَى بِهَا شَهْرًا [رواه أحمد، وهو صحيح].
كن حريصًا على المحافظة على بيتك وذلك بتحصينه
بالثقة والمودة والرحمة نسأل الله العلى العظيم أن يحفظ بيوت المسلمين من كيد الشيطان،
وأن يهدينا لصالح الأعمال.