فلما بلغ الرسول الكريم الثالثة والأربعين، في رمضان (13 ق هـ - 610 م) أوحي اليه في غار حراء بآية: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسانَ من عَلَقٍ}. وشرع يدعو من حوله سرا، فآمنت به زوجته خديجة، وابن عمه علي بن أبي طالب، وصديقه أبو بكر، ومولاه زيد بن حارثة، وجماعة من قومه، فأعلن الدعوة إلى الإسلام بالتوحيد ونبذ الأوثان وخرافاتها. وهزأت به قريش وآذته، فصبر، وحماه عمه أبو طالب حتى مات. وأسلم عمه حمزة وعمر بن الخطاب، فقوي بهما. واشتد أذى قريش لأصحابه، فأذن لمن ليس له عشيرة تحميه بأن يهاجر إلى أرض (الحبشة) فهاجر ثلاثة وثمانون رجلا عدا النساء والأولاد. ثم أسلم بمكة ستة من الأوس والخزرج من أهل المدينة المنورة (وكانت تسمى يثرب) وعادوا إليها، فلم يلبث أن جاءه منها اثنا عشر رجلا فآمنوا به، فبعث معهم (مصعب بن عمير) ليعلمهم شرائع الإسلام والقرآن، فلم يمض غير قليل حتى انتشر الإسلام في المدينة، ووفد عليه جمع من أهلها فدعوه، وأصحابه إلى الهجرة إليهم، وعاهدوه على الدفاع عنه، فأجاب دعوتهم، وأمر أصحابه بالخروج من مكة، ثم لحقهم. وبلغ قريشا خبر هجرته، فتبعوه ليقتلوه، فنجا. ودخل المدينة، فبنى فيها مسجده، وجهر بنشر الدعوة، وكانت قريش تحول بينه وبين ذلك، في مكة بالقوة. وبسنة دخوله المدينة يبتدئ التاريخ الهجريّ، وكان سنة 622 م. ولم يدعه مشركو قريش آمنا في دار هجرته، بل كانوا يقصدونه لقتاله فيها، فنزلت آيات (الإذن بالقتال) مبينة سببه، ووجه الحاجة إليه. وأولها: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) الآية. من كتاب الفاتحون للقلوب لفضيلة الاستاذ الدكتور أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي