القدوس

القدوس
هو اسم من أسماء الله – تعالى – مشتق من القدس، وهو الطهارة، ولهذا يقال :البيت المقدس، أي: المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب، وقيل للجنة: حظيرة القدس ؛ لطهارتها من آفات الدنيا .
وقيل لجبريل – عليه السلام - :روح القدس؛ لأنه طاهر عن العيوب في تبليغ الوحي إلى الرسل عليهم السلام .
والله تعالى هو القدوس المنزه عن النقائض والآفات، الجامع لأوصاف الكمال، فلا تدركه الأوهام بالتحديد، ولا الأبصار بالتصوير، ولا العقول بالتقدير، وهو الممدوح بالفضائل والمحاسن .
ويختص هذا الاسم بأنه لا يجوز أن يوصف أو يسمى به إلا الله – سبحانه وتعالى – فهو القدوس ، ولعظمة هذا الاسم فقد سجل القرآن الكريم لهذا الاسم آيات عظيمة، قال – تعالى -: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون}[الحشر:23]. وقال – عز وجل -: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم}[الجمعة:1].
وقال – عز وجل -: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُون}[البقرة:30].
وقال المولى – سبحانه وتعالى -: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين}[النحل:102].
فقد عرضت تلك الآيات البينات لأوصاف كثيرة تتمثل فيما يلي:
الأول: تقديس الله عن الشركاء، حيث قال – تعالى -: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء:111].
الثاني: تقديس الله عن النظراء:
حيث قال – تعالى -: {فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى:11].
الثالث: تقديس الله عن الأولاد: حيث قال – تعالى -: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}[الإسراء:111].
الرابع: تقديس الله عن الأضداد:
حيث قال – تعالى -: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُون * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاَء الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُون} [القصص:62 - 63].
الخامس: أنه لا تدركه الأبصار بالتصوير:
حيث قال تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[الأنعام:103].
السادس: تقديسه عن الحاجة إلى الخلق:
حيث قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُون * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين} [الذاريات:56 - 58].
السابع: تقديسه عن التحديد:
حيث قال – تعالى -: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد} [الإخلاص:1- 4].
الثامن: تنزيهه عن كل وصف يدركه حس، أو يتصوره خيال، أو يسبق إليه وهم، حيث قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُون}[الأنبياء:26].
التاسع: تقديس جميع المخلوقات ناطقها وجامدها، حيث قال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم}[الجمعة:1].
فيجب على كل إنسان أن يعلم أن الله – سبحانه وتعالى – هو القدوس بكل اعتبار، وأنه المنزه على الإطلاق، وأن طهارته منه وبه، ثم يجب على الإنسان أن يقدس نفسه وماله عن الشبهات، وقلبه عن الغفلات، وجوارحه عن المخالفات، وذلك بامتثال أوامر ربه، واجتناب نواهيه .
انعكاسات وتجليات الاسم على حياة المسلم:
اعلم أخي المسلم أنه إذا ذكرت اسم الله – تعالى – القدوس، وآمنت به حق الإيمان، فإنه يتحقق لك عدة فوائد:
الأولى: به يطهر المسلم عن الشهوات، ويرجع عن المحرمات:
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيِّ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ عَلِيًّا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ: " الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّبْرِ، وَالْيَقِينِ، وَالْعَدْلِ، وَالْجِهَادِ . وَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الشَّوْقِ، والشَّفَقِ، وَالزَّهَادَةِ، والتَّرَقُّبِ، فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ رَجَعَ عَنِ الْحُرُمَاتِ، وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا هَانَتْ عَلَيْهِ الْمُصِيبَاتُ، وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ إِلَى الْخَيْرَاتِ . وَالْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ، وَتَأَوُّلِ الْحِكْمَةِ، وَمَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ ؛ وَسُنَّةِ الْأَوَّلِينَ، فَمَنْ تَبَصَّرَ الْفِطْنَةَ تَأَوَّلَ الْحِكْمَةَ، وَمَنْ تَأَوَّلَ الْحِكْمَةَ عَرَفَ الْعِبْرَةَ، وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ كَأَنَّمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِينَ . وَالْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى غَامِضِ الْفَهْمِ، وَزَهْرَةِ الْعِلْمِ، وَرَوْضَةِ الْحِلْمِ، وَشَرَائِعِ الْحِكَمِ، فَمَنْ فَهِمَ فَسَّرَ جَمِيلَ الْعِلْمِ، وَمَنْ عَلِمَ عَرَفَ شَرَائِعَ الْحِكَمِ، وَمَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ أَمْرَهُ، وَعَاشَ فِي النَّاسِ حَمِيدًا . وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الَأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ، وَشَنَآنِ الْفَاسِقِينَ، فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظَهْرَ الْمُؤْمِنِ، وَمَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ قَصَفَ ظَهْرَ الْفَاسِقِ، وَمَنْ صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ، وَمَنْ شَنِئَ الْفَاسِقِينَ وَغَضِبَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَضِبَ اللَّهُ لَهُ "، فَقَامَ الرَّجُلُ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ( ).
الثانية: يطهر المسلم ماله عن الشهوات:
قال – تعالى -: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون}[البقرة:188].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: " آمُرُكُمْ بِثَلاثٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ ثَلاثٍ، آمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَتَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَتَفَرَّقُوا، وَتُطِيعُوا لِمَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ " . قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَمْرٌ فَرْضٌ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ، وَقَوْلُهُ: وَتَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا، أَرَادَ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى بَعْضِ الْمُخَاطَبِينَ الَّذِينَ تَقَعُ بِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَتُطِيعُوا لِمَنْ وَلاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ، لَفْظُهُ عَامٌ لَهُ تَخْصِيصَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يُؤْمَرَ الْمَرْءُ بِمَا لَهُ فِيهِ رِضًى، وَالثَّانِي: إِذَا أُمِرَ مَا اسْتَطَاعَ دُونَ مَا لا يَسْتَطِيعُ.
الثالثة: به يطهر المسلم نفسه من الموبقات والظلم:
عِنْ أَبي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ قَاْلَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ".
وعَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " أَيُّمَا رَجُلٍ ظَلَمَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ كُلِّفَهُ أَنْ يَحْفِرَهُ حَتَّى يَبْلُغَ سَبْعَ أَرَضِينَ، ثُمَّ يُطَوَّقَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ .
الرابعة: يطهر المسلم نفسه في البيع والشراء:
قال – صلى الله عليه وسلم -: « التاجر الصدوق بمنزلة الشهيد يوم القيامة» .
الخامسة: يدفع بالمسلم إلى الإخلاص في حياته كلها:
فلا يكون من الأصناف التي ذكرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار».

تصفح أيضا

القوي

القوي

أخبار الطقس

SAUDI ARABIA WEATHER

مواقيت الصلاة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ أحمد عبده عوض