الأحداث في ميزان السنة النبوية (112)
التهميش
فضيلة الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
بالأمس القريب احتفل العالم كله باليوم
العالمي لرعاية المسنين
أعداد المسنين المهمشين في مصر يقتربون من
ستة ملايين كثير منهم عندما يتقدم سنه فإن المجتمع يهمشه
إذا كان يعمل وترك العمل فإنه يبدو أماما
الناس لا عمل له "خرج إلى
المعاش" تعتبر بالنسبة لصاحبها شيئا صعبا على نفسيته
فهم كثير من الناس يحمل في داخله مقدمات الموت
وهذا غير صحيح
فئة المسنين الفروض أن الدول تلتزم برعايتهم
تماما حسب الدستور في بلادنا والدستور يلزم الدولة بضمان حقوق المسنين صحيا
واقتصاديا وثقافيا وترفيهيا
صدر قانون حماية المسنين منذ عدة أسابيع لكنك
ترى في الشارع كثيرا من المسنين يمدون
أيديهم إلى الناس وترى أحوالهم ليست طيبة أبدا
الشارع أصبح بالنسبة لبعض المسنين المأوى
والحياة فهل الحياة غليظة إلى هذه الدرجة؟
الإنسان بصحته يخدم وبغير صحته لا يُخدم؟ إن
هذا لشيء عجاب
كيف نرعى كبار السن في اليوم العالمي لرعاية
المسنين؟
هناك إصلاحات مهمة لا بد من حدوثها لربط
المسنين بالحياة وهذه مسألة في غاية الأهمية
رعاية المسنين لا تقل عن رعاية ذوي الهمم
كلاهما ضعيف والضعيف على الأكتاف محمول
فئة المسنين في تزايد مستمر ويشكلون 6% من
المجتمع المصري
وفق لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة
والإحصاء فإن هذه الفئة قد تصل إلى 17% حلول سنة 2052 م والمسنون يحتاجون إلى رعاية صحية خاصة
الجهاز المركزي عام 2020 م قال إن أعلى نسبة المسنين موجودة في الزراعة
والصيد
نسبة الأمية بين المسنين تصل إلى 55%
الذين يعملون من المسنين مليون نسمة فقط
والباقون لا عمل لهم
المهمشون من النساء أكثر من المهمشين في
الرجال
الشعور بالكبر والتهميش هو أول الطرق لكثرة
شكاوى المسنين
المسنون يشكون من التهميش وعدم الاهتمام
والأوضاع المعيشية السيئة التل لم تتغير منذ سنوات عديدة
دمج المسنين في الحياة مسألة في غاية الأهمية
كثير من المسنين يقضون حياتهم أمام التلفاز
وعدم الرغبة في النشاط ولا العمل
الدكتورة هالة سويد أستاذ طب المسنين في كلية
الطب توصي بالدمج الشامل والحركة المستمرة والعمل الدؤوب وترى أن فرص الرجال في
ذلك أقل من السيدات لأن السيدات ينشطن في العمل في المنزل بعد التقاعد ويرى كثير
من الناس أن وجود دور المسنين يعد حلا مهما لمشاكل المسنين
ذات مرة اتصل بي أحدهم وقال لقد أفنيت حياتي
في خدمة أولادي وبناتي وتزوجوا وأنا الآن أعيش في شقة الزوجية التي تزوجت فيها
بأمهم رحمها الله تعالى
وقال أنهم اليوم سيأخذونني قهرا إلى دار
المسنين لكي تخلو الشقة لهم ويستولي عليها أحدهم والرجل يبكي بكاء شديدا ويقول
لأولاده هذا المكان فيه ذكريات أربعين سنة لكنهم قساة القلب لا يعرفون المشاعر
بعد صلاة العصر حملوا أباهم كما يحمل الطفل
الصغير وهو يبكي وينهنه على مستقبل غامض
هل دور المسنين نظيفة وآمنة وجيدة؟
لكنهم نقلوه إلى دار المسنين كي يأخذوا شقة
أبيهم ومعاش أبيهم
ذات مرة حضرت إحدى الأمهات إلينا في قناة
الفتح مستجيرة من زوجها الذي ضربها أمام أولادها فقام الأولاد وضربوا أمهم كما
ضربها أبوهم وجسمها ضعيف وبدنها سقيم
لم تملك إلا أن جاءت إلى خادمكم وفي في حالة
سيئة لأنها خدمت المجتمع وخدمت زوجها
تزوج زوجها شابة صغيرة ورمى الزوجة الأصيلة
التي بقيت معه العمر كله
لا بد أن تساعد الناس لأنها جاءت من دمياط
إلى القاهرة وساعدنها حتى تجاوزت هذه المحنة العصيبة
سجلت لكم درسا قبل أسبوعين عنوانه "صرخة
أم عجوز" التي تصرخ من سوء معاملة أولادها لها لجبرها على ترك المنزل فأين
تذهب؟
كنا في احتفال فأتى إلي حدهم فقال أنا جلست
في دار المسنين بعد أن تخلى عني أولادي وأريد أن تتولى أمري وتشتري لي العلاج
أسبوعا فقلت أبشر ثم قال اعمل لي راتبا شهريا فقالت له أبشر
ثم قال كلف أحد المساعدين لإحضار الطعام لي
فقلت له أبشر
ذات ليلة اتصل بي وقال لن أطلب منك شيء بعد
هذا أنا مسافر وأرجو منك أن تصلي علي بنفسك وأنهى المكالمة وبكى وبكيت أنا
في صباح اليوم التالي دق الهاتف عندي يخبرني
بوفاة هذا الرجل
ذهبنا وسألنا عن أولاده فقالوا إن أولاده
منهم الطبيب والمهندس ولا يعلمون عنه شيئا ولم يشتركوا في جنازته ولم يحضروا سفره
الأخير
هذا الأب مات بعيدا ليس حوله أحد يبكي عليه
ولا أحد يترحم عليه
إن الحياة خزينة أسرار صعبة عصيبة لهذا الابن
الجاحد من الإسكندرية الذي رفع قضية حجر على أبيه المسن
وذهب الأب والابن إلى المحكمة ووقفا معا أمام
القاضي فسأله القاضي لماذا رفعت قضية حجر على أبيك؟
فقال إنه يتصرف في المال ويخرج صدقات وأنا في
حاجة إلى المال كي أتزوج به
ألم تجد طريقا آخر إلا الحجر على أبيك؟
ظلت القضية سنوات عديدة حتى مات الرجل حزنا
وكمدا قبل أن تقضي المحكمة له أو عليه والصرخة
تغبر عن حالة النكران التي عاشها الإنسان والكأس دوار وما تسقيه لأبيك وأمك سيسقيه أولادك
لك
ذات مرة كنا في مرة وقصوا علينا هذه القصة
كان هناك رجل تزوج وظل أبوه معه في الشقة فاستضافه أبوه
ثم بعد فترة ضاقت زوجته زرعا لوجود أبيه
وقالت له لا بد أن تتخلص منه وأن تضعه عند الحرم في مكة
بالفعل حمل والده وكان مريضا تعبانا وأخذه
ووضعه عند الحرم وأبوه يبكي بعد ان أجلسه على الأرض لا ماء ولا طعام ولا ملابس
ترك أباه ولا يعرف ماذا جرى على أبيه؟
دارت الأيام وهذا الذي أخذ أباه ووضعه عند
الحرم أراد ابنه الأكبر بعد أن نزوج وصارت له زوجة فقالت الزوجة لا نريده معنا
أتى ابنه لكي يحمله فقال له لا تحملني أنا
أعرف الطريق، فذهب وجلس في نفس المكان وظل فيه حتى مات ولم يسأل عنه أحد ولم يراع
له حرمة ولا تاريخا ولا حبا
أين ذاك الحب أمسى خبرا ,,
وحديثا من أحاديث الجوى؟
كثير من هؤلاء المسنين لا يعيشون لأنفسهم
وإنما يعيشون لغيرهم وهم محبون لهذا
الناس لا تتسع لهم رغم أن الإنسان كلما تقدم
في السن زاد فهمه وفكره ووجب علينا رعايته
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من لم
يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا
لن أنسى هذه المرأة التي كلمتني وقالت ادع
ربنا ينتقم من أولادي، فقلت لها ماذا يفعلون معك يا أمي؟
فقالت
نحن نعيش في عمارة وكل واحد منهم في شقة وأنا أوقظهم لصلاة الفجر فصعب هذا
عليهم فاجتمعوا ذات مرة وأخذوني وحملوني وألقوا بي من الدور الثالث
حتى تكسر جسمها ولم يبق فيها شيء صحيحا
هذا الأب الذي ربطه أولاده في السرير في غرفة
فقيرة جدا في البدروم يعيش فيها مع الحشرات والدواب ولا ماء ولا شراب
ربطوه في السرير لأنه كان يوقظهم لصلاة الفجر
موضوع اليوم صعب جدا لعلي أفرغت بعضا مما في
جعبتي ولم أفرغ كل ما في جعبتي
أين ذاك الحب أمسى خبرا ,,
وحديثا من أحاديث الجوى؟
من لا يرحم لا يرحم
الكأس دوار والدور عليك"وَاتَّقُوا
يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ
مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)" البقرة