أصحاب المناقب 13 لفضيلة الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض الداعية والمفكر الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، لا يحلو النهار إلا بذكرك ، ولا يحلو اليل إلا بمنجاتك، ولا تحلو الدنيا إلا بعافيتك، ولا تحلو الآخرة إلا برضاك. لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا * ورحت أشكو إلى مولا ما أجد وقلت يا عدتي في كل نائبة * ومن عليه بكشف الضر أعتمد أشكو إليك أمورا أنت تعلمها * ما لي على حلها صبر ولا جلد والصلاة والسلام على إمام الصابرين، نور الكمال وكمال النور ومهبط الأنوار ومجمع الأسرار. إمام المحدثين في الأمة كلها، أمير المؤمنين في الحديث والسنة الإمام البخاري. كان المسلمين إذا ضاقت بهم الحيل يجتمعون في المساجد فيقرأون صحيح البخاري فيفرج الله عنهم. كنت في مكة نائما بين الركن والمقام فجاءني النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا، فقال لي: لماذا تدرس كتاب الشافعي وتترك كتابي؟ قال: وما كتابك يا رسول؟ قال كتاب صحيح الجامع محمد بن إسماعيل. وهذا يعطي لك إشارة إلى أن النبي عنده علم بكل ما يجري في الأمة. "واعلموا أن فيكم رسول الله" الحكيم الترمذي عاصر البخاري، وقال عنه البخاري أنه أعلم أهل الأرض. ذهب إلى د. أحمد السائح وقال له: أنا حكيم الترمذي، وجدته في هيئة لم أر مثها، قال: إن شاء الله تكمل رسالتك وكتبي في مكان كذا وكذا. "اللهم ارحم خلفائي، قالوا: ومن خلفاؤك يا رسول الله، الذين يحكمون البلاد بعدك؟ قال: خلفائي الذين يروون كلامي". لم تكن السنة مدونة قبل البخاري. فبدأت الأمة تهتم بتدوين أحاديث النبي الكريم. ابن شهاب الزهري أول واحد بدأ يدون سنة النبي الكريم. البخاري لم يكن عربي، ولد في بخارى. وظهر نبوغه في الحديث وهو في الكتاب، فأرسل إيه الأمير لكي يقرأ الحديث عنده، فقال: العلم يؤتى إليه، فغضب أمير بخارى، ونفاه، فأتى إلى مكة وتنقل من مكة إلى مصر إلى الشام والتقى بأحمد بن حنبل، وابن المبارك، الذي قال عنه: إنه أبرك وأفقه أهل الزمان. الإمام البخاري سمَّع ذات يوم، فسمع خمسة عشر ألف حديثا دون أن يلحن في حديث واحد. يقول البخاري: حفظت مائتي ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح، وعندما بدأت في كتابة الجامع كان معي ستمائة ألف حديث، وما تركته من الصحيح أكثر مما أخذته، فأخرج منهم سبعة آلاف وخمسمائة حديث. أي ذاكرة في العالم تحفظ ستمائة ألف حديث. لك أن تسأل ولماذا لم يأت بكل هذه الأحاديث في الجامع؟ لو أتى بها جميعا سيكون أمرا صعبا على الناس، فأراد أن ييسر على الناس. أخذ على قدر ما يقيم به الموضوعات وما ترك موضوعا إلا تكلم عنه. عرف عننه أنه فقيه، يأتي بأبواب فقهية. جواز الجمع بين الصلوات لمن كان مريضا. يجوز للمتيمم أن يصلي بالتيمم فرضين. جواز أن يخطب الرجل لابنته من أهل الخير والصلاح. وما فاته من أحاديث في صحيح الجامع كتاب صحيح الجامع أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، يليه صحيح مسلم. الأحاديث التي لم يأت بها، جعل لها كتابا خاصا اسمه الأدب المفرد، وزاد فيه أبوابا فقهية بأدلتها. وتلك مزية لم يقم بها إلا البخاري. جواز الصر في اقل من كذا، وأقل من كذا، ويذكر أدلة على هذا، وأدلة على هذا. ظل ست عشرة سنة جالس في الروضة يدوِّن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. ولذا الكتاب في روحانية عجيبة. وهذا يؤكد لك أنه كان موصولًا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن أنواره لم تقف عند زمان، ولم تقف عند مكان. إنه أمير المؤمنين في الحدجيث، كل مؤمني العالم أستاذهم وزعيمهم البخاري في الحديث. أحفظ ذاكرة على وجه الأرض. الذاكرة حاضرة كأن العلم كتاب مفتوح أمامه، لا يقرأ من الدنيا، وإنما يقرأ من علم رسول الله صلى الله عليه وسلم. حياته كلها طلب العلم، فما أخلص في طلب العلم جعل الله له ذكرا وعلما باقيا إلى قيام الساعة. الذين عاصروه يحي بن معين وأحمد بن حنبل، قالوا عنه: ما رأينا أحفظ ذاكرة وأوعى فهما من البخاري. ما رأينا أكثر استدعاء للأحاجيث من البخاري. ثم قالوا: وما رأينا أخير ولا أبرك ولا أنضر وجها من الإمام البخاري. رواة أحديث النبي صلى الله عليه وسلم تعرف في وجوههم النضرة. قال صلى اله عليه وسلم: "نضر الله وجه عبد سمع مقولتي فحفظها وبلغها كما سمعها". الله تعالى ينور وجوههم، لماذا؟ لأنهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم. حسبت خطأ أن البخاري لم يؤلف إلا صحيح الجامع، ولكن لم يكتف بذلك بل ألف عشرات الكتب في الفقه والتفسيرو علم اللغة، ما ترك علما بخلاف علم الحديث إلا فتح الله له. وقد مات شابا صغيرا. هؤلاء لا تنام عيونهم ولا تنام قلوبهم. من وهب نفس لله زرع الله له محبة في قلوب الخلق، وأبقى الله له ذكرا إلى يوم القيامة. ولن يأتي أحد أعلم في الحديث من البخاري، لأنه كان موصولا بالله، وبسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد أناروا الطريق لنا، وسهلا المهمة عليمنا، شاء الله لي أن جرت علي حادجثة عندما ذهبنا لإطفاء حريقة فسقطت فكسرت رجلي، وانقطعت عن الدراسة عاما كاملا، فقرأ صحيح البخاري، وحفظت سبعة آلاف حديثا، فكان هذا خيرا من الله تعالى لي.